لقد شغلني انتشار ظاهرة الفساد كثيرا، والسبب ما نشاهده من فوضى وسوء التصرفات والتخبط واختلاطٌ للمعاني والقناعات والركود وانتشار المهرجين..، وكأننا نعيش في زمن غير الزمن و كوكب غير كوكب الارض. ومن حولنا المجتمعات تتطور وتتغلب علي مشاكلها ونحن نسير بنفس الوتيرة منذ الاستقلال إلى اليوم. والسبب في نظري هو فساد العقول والأفكار وغيرها من السلوكيات السيئة التي تؤدي إلى فساد الإنسان. وهي قضية تعتبر مهمة وخطيرة، اولاً لانها تدخل في تكوين شخصية الإنسان وثانيًا ترسم ملامح المجتمع وبها يقاس محور التقدم والتطور. و بمقدار ما يملكه المجتمع من فكر وعقل ناضج يَصلح وينهض بل إنها البداية لأي اصلاحْ والعكس صحيح. وهذا يجعلنا نطرح تساؤلات ربما جوابها يحتاج بحوثًا. فأين نحن من فساد العقل والفكر والأخلاق .. ؟ ثم كيف ينعكس الفساد والكذب والنفاق ..على تطور المجتمع؟
إن الفوضي وتفشي الفساد والَّلامبالاة والأنانية والذاتية وعدم الإبتكار واللَّا فنْ.. تعتبر من آفات العصر الحديث. إذَا أصيب المجتمع بهذه الآفات يتولد انحطاط في القيّم والاخلاق وغيرها من السلوكيات ولا تنتظر منه التطور. عندما يصبح الكذب من الضَّروريات والرشوة أمر طبيعي لسير المصالح الشخصية، والحقد، الحسَد، الكراهية ظواهر طبيعية والنفاق منهجية الحياة "ألٍ مَا نافق مَا وافق"، والذي يعتبر من أخطر هذه الظواهر لانتشاره في المجتمع، فمثلا التَّودد لبعض الأشخاص لنيل شرف او قيمة، فلان رجل أعمال او تاجر كبير اوغيرها من الألقاب، هو ما يسمى ب " النفاق الاجتماعي” فيتحكم في طبيعة السلوكيات والعلاقات والتصرفات .. في المجتمع، وهي مسالة بعيدة عن الإخلاص والصدق والأمانة.. وللأسف أصبح هدفٌ لدى الكثير من الناس في مجتمعنا الموريتاني، ويدفعهم للقيام بأي شيء في سبيل تحقيق غايات معينة. وهي مسألة تتنافى مع قيَّم الاسلام و الاصلاح، فالإسلام خاطب العقل بهدف الإرتقاء بالانسان إلى مرتبة تليق به وكان دائما محور اهتمامه و بناءه إيمانيًّا وثقافيًا وعلميًا وحضاريًّا... و تحرير عقله وتوعيته من هذه الأمور السيئة. وهنا نتساءل هل هذه التصرفات تعتبر من خصال النفاق؟ ليس لدي جواب على هذا السؤال وبما أنني لا يمكن أن أجيب عليه أحيل السؤال إلى العلماء والفقهاء فضلًا أن يوضح لنا هذه المسألة.
إن عدم محاسبة النفس و حالة الانطواء الذاتي عليها دون الآخرين في المجتمع والتي تحول دون فاعلية العقل واندماجه في التطور الوطني. اضافة الى أزمة إلقاء المسؤولية على الآخر في اي فشل يلحق بالفرد، مثلاً علي المدير او علي الحاكم او علي الصديق او علي اي مسؤول او او او، جعلت هذه الدلالات عادة ثقافية. إن الصدق مع النفس وطرح التساؤلات ماذا فعلت ؟ ما الذي كان يجب ان افعله ولم أفعله ؟ هي بداية الموضوعية والنجاح الذاتي.
اذًا فقد خلقنا أيها الموىيتانيون بأيدينا مجتمع متهاون وعديم المسؤولية وكما قال المؤرخ "أدوارد جيبون " ان من اسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية هو انهيار المسؤولية"، فعندما يفقد المجتمع قيمته العقلية والفكرية والأخلاقية والقيميَّة، ينقاد الي الجمود والعجز عن التجديد و الابتكار وهذا يؤدي بدوره لامحالة ايضًا الي العجز عن خوض التحديات المختلفة، وبالتالي تصبح هذه الظواهر سبب في خراب أركان النهوض والتنمية.
استراحة،
ان الشعوب تتقدم بالفِكر والقيَّم والايمان بالوطن والتضحية في سبيله والأخلاق و الإِنتماء والسلوكيات الايجابية والهدوء.. وتضيع بضياع هذه الخصال. لا تظنوا أعزائي، أن أسباب هجرة الناس الي الغرب هو من أجل الأبنية والمناخ المعتدل والبُنية التحتية... بل المعاملات والسلوكيات الحسنة.
فلنجعل الهُموم همًا واحدًا
إننا نسير وعقولنا مغلقة والأخطر دون أن ندري، نحن بحاجة الى أن نطرح أسئلة فكرية في النقد والشك والتربية... فإصلاح العقل هو إصلاح المجتمع وفساده فساد للمجتمع. و بالتالي ينبغي علينا التخلي عن التفكير التلقائي استنادا على ما يدور في الذهن من حب التقليد والسطحية في معالجة الأمور اوعلي ما وصلنا من بعض تراثنا الفاسد - والتركيز في التفكير بالتدبر الذي نزن به حسن التصرف والصدق في المعاملات، ينبغي ان نتساءل عن وجهتنا والفرار من الذاتية السلبية وترسيخ ثقافة الانتماء لهذا البلد والتفاني فيه وفي مصيره بين الأمم والتفكير الجماعي وإشاعة ثقافة الحوار وادب النقد.. اضف الى هذا غرس روح الإحساس بالمسؤولية في العام والخاص.
بل ويمكن لنا تصميم أفكار و مؤسسات تعزز السلوك الإجتماعي. وهنا أري أن التفكير خارج الصندوق من واجب -صانعي السياسات والعلماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب علم الاجتماع والفلسفة والمرأة المثقفة والشباب- فيمكنهم البحث عن آلية لكسب العقول وإصلاحها و نتخذها كأساس لأنواع جديدة من التدخلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وسيكون لها لا محالة تداعيات ايجابية على مستوى التنمية الاجتماعية والتكيف والتعليم والاقتصاد.. يقول أوغست كونت "الأفكار تغير العالم"، فبناء العقل يؤدي إلى انتشار ثقافة الإخلاص و فن العمل و المعاملات الإنسانية، والرهانات لا تتحقق وفق ما ترغب فيه بل وفق العمل والبناء.
كان هذا حين كان بناء العقل والوعي هو هدف الحياة والعيش لا بناء المشاريع الفارقة و المحلات التجارية والأبنية وتكديس الأموال والمنازل و الحوائط وتزيينها وتبذير المال حتى أصبحت ثقافة راسخة في فكر معظم الموريتانيون ومع اني لا اكره الانفاق الا انني احب ان اضع عليه لمسة فيما يسمى ب " فقه الأولويات في الإنفاق".
مريم بنت اصوينع
تصنيف: