وسائل الإقناع متنوعة بعضها قديم قدم التاريخ وبعضها حديث جدا، منها البسيط والمركب؛ تتحدث الثقافة الشعبية الموريتانية عن "الكتاب اليامر بالمَ وهو ما ايمسُّ"، عبارة لا تتطلب، على ما أظن، ترجمة للناطقين باللغة العربية. فالمثل الشعبي هذا يؤكد أنه بوسع كل شخص تقريبا اعتلاء منبر الخطابة توجيها وتدريسا وعتابا في بعض الأحيان، إلا أنه يذكر بأهمية امتثال "المعلم" خلاصات دروسه قبل أن يطالب "المتلقي" بذلك، كحد أدنى للمصداقية والإنصاف.
غير بعيد مما سلف، تؤكد حكمة شعبية ثانية: "اللِّّ اتريّالك خرّص رگبة امراحُ"، أي أن واقع الشخص شاهد على ما يمكن أن ينصح به غيرَه.
فما يمكن اعتباره النموذج "الكتاب-مائي" في الإقناع توجيها وتأثيرا، تم التعامل معه بالقدر الكافي من الحزم من منظور الثقافة الشعبية.
في المقابل، يقول مثل شعبي ثالث: "سال امجرب لا اتسال اطبيب"، وكما هو الحال بالنسبة للمثلين السابقين، فلا ضرورة هنا للترجمة إلى العربية. ويشكل ما يمكن تسميته النموذج "التجريبي" هذا بديلا تربويا وإيجابيا للنموذج "الكتاب-مائي"، إذ يؤكد على أن تكون التجربة الميدانية (المتأنية والمتواضعة) منطلق النصح والتوجيه والتعليم في بعض المواضيع العادية كاللغات والزراعة والرياضة... فإيحاءات وإلهام التجربة الميدانية أكثر إقناعا (لواقعيتها) من البلاغة الخطابية المجردة، في حالات كهذه، لذلك أقترح على رواد "الفضاء الأزرق" الموريتاني تخصيص مساحة "تدوينية" للمحاولات الفردية والجماعية التي تستهدف تغيير العقليات من خلال التجارب الميدانية الإيجابية والعملية.
تصنيف: