يأتي تخليد فاتح مايو هذا العام في ظل سياق عالمي خاص يتميز بظهور جائحة كوفيد-19 التي حصدت أرواح آلاف الأشخاص في جميع القارات. ونحن إذ نسأل المولى تعالى أن يرحم كل الذين قضوا جراء هذا الوباء فإننا نعبر عن خالص التعزية والمواساةلأسرهم وذويهم وندعو بالشفاء العاجل لجميع المرضى الموجودين تحت الإشراف الطبي.
لقد كشفت هذه الجائحة أن النظام القائم على أساس إلغاء القيود التنظيمية الخاصة بالمكاسب الاجتماعية والحقوق الأساسية في العمل السائد في ظل الحوكمة العالمية الحالية التي تمليها هيمنة رأس المال واقتصاد السوق التي تفرضها السياسات النيوليبرالية منذ نهاية القرن الماضي، قد مني بفشل ذريع وبشكل غير مسبوق.
ولعل أبرز نتائج هذه السياسات النيوليبرالية التي تميز العولمة الحالية تتمثل في تفكيك شبكات الضمان والحماية الاجتماعية وخصخصة النظم الصحية الوطنية واستبعاد ملايين العمال والعاملات من جميع التأمينات الصحية واللجوء الى تراكم الفوائد والأرباح لصالح الأغنياء والعمل على إفقار أكثر من ¾ من البشرية بفعل قواعد غير متكافئة للتجارة العالمية.
اننا، وعلى غرار المنظمات النقابية الأعضاء في الاتحادات النقابية العالمية، نود لفت انتباه حكومتنا وكافة حكومات العالم وكذلك المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى ضرورة العمل على تنسيق الجهود في إطار التدخلات الرامية الى مواجهة الأزمة التي تواجه الاقتصاد العالمي والصحة العمومية.
ان اجتماعات الربيع التي ستعقدها مؤسسات بريتونوودز في الأسابيع المقبلة ينبغي أن توفر فرصة لتخطيط وتنسيق التحفيز المالي والنقدي العالمي بالإضافة الى انتهاج سياسة استجابة تعزز أنظمة الصحة العامة في الخطوط الأمامية وتضمن حماية الوظائف وتحفز الاقتصاد الحقيقي. ويجب أن يتمثل جزء أساسي من هذه الاستجابة في تقديم الدعم الكافي للبلدان النامية وإلا فستزهق أرواح كثيرة وستتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية.
وتدعو الاتحادات النقابية العالمية إلى إصدار حقوق سحب خاصة مصحوبة بإنشاء صندوق استئماني من طرف الجهات المانحة يسمح بنقل حقوق السحب الخاصة إلى البلدان النامية يخصص لإنعاش الاقتصاد الحقيقي، للصحة العمومية، للحماية الاجتماعية وللتشغيل. ان التقديرات الأولية لمنظمة العمل الدولية تشير إلى زيادة كبيرة في البطالة في أعقاب الفيروس.
وفي ظل الاضطرابات الخطيرة الناجمة عن الأزمة في سلاسل التوزيع فان أنظمة الصحة العمومية والحماية الاجتماعية تشكل خطوط الدفاع الأولى. يجب ألا نترك أي شخص على الهامش أثناء إعداد وصياغة سياسات التصدي، بل يجب أن نبني نظام حماية اجتماعي شامل يتضمن أرضيات الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة.
ويتوجب تعميم دعم الدخل من أجل مواجهة البطالة المتزايدة، حتى لا يواجه عمال القطاع غير المصنف أي عقبات في الولوج إليه. لقد حان الوقت لبناء نهج لا يترك مجالًا للحلول المجزأة أو البرامج المصممة بشكل ضيق للغاية والتي تستبعد أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها، أو الأنظمة التي تحول جميع المخاطر لوضعها في كفة العمال. وينبغي تصميم سياسات الانتعاش على نحو يعطي الأولوية للاقتصاد الحقيقي واحترام معايير العمل الأساسية لمنظمة العمل الدولية.
في بلادنا، نُحيَ مبادرة معالي السيد رئيس الجمهورية، الذي وجه نداء إلى جميع القوى الحية للأمة من أجل بناء خطط للتصدي والتوعية والتحسيس على مستوى جميع شرائح مجتمعنا قصد مواجهة هذا الوباء. ويتوجب دعم وتعزيز النتائج الهامة والمشجعة التي حصلت عليها بلادنا في مكافحة الفيروس التاجي كوفيد-19.
وينبغي أن تكون هبة التضامن الوطني القائم فرصة لتعزيز هذا التماسك بين القوى الحية حول أهداف مشتركة ومفيدة لجميع السكان دون تمييز.
وفي هذا الصدد، يجب أن تلعب المرافق العمومية المتخصصة في المساعدة الإنسانية، وكذلك المنظمات المماثلة، دورا رياديا في توزيع الدعم على السكان بطريقة شفافة وبإنصاف ومساواة بين جميع المواطنين.
لقد شهد مئات الآلاف من العمال في القطاعين العام والخاص وفي قطاع الاقتصاد غير المصنف تراجعا في أنشطتهم إن لم نقل توقفا بشكل مفاجئ الشيء الذي يعرض أسرهم إلى عوز شامل ويفاقم المخاطر في مواجهة هذا الوباء.
وفي نفس الوقت فان خطة الاستجابة الصحية والغذائية التي تم وضعها موضع تنفيذ تركت فئات أخرى من العمال، من ضمنهم العمال المهاجرون، دون أي مساعدة.
وتذكر الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا بمطالبها الرامية إلى ضمان البطالة المعوضة بنسبة 100٪ من الأجر والتغطية الصحية الشاملة، والحماية الاجتماعية الشاملة وحظر كافة أشكال الفصل من العمل وكذلك تعليق خطط الغاءالوظائف، إنشاء لجان الصحة والسلامة وظروف عمل تتمتع بصلاحيات تدخل حقيقية في جميع الشركات، وإعلان حالة طوارئ صحية تمكّن من تعبئة قطاع التأمين وتعليق دفع الأرباح للمساهمين في الشركات العمومية وشبه العمومية.
وتدعو الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا الحكومة إلى ضمان إدارة خطط التصدي لجائحة كوفيد-19 في إطار شراكة اجتماعية تشمل العمال وأرباب العمل على الصعيد الوطني والاقليمي وكذا على مستوي الشركات العمومية والخصوصية.
انعمال وعاملاتكافة القطاعات المهنية هم الأكثر عرضة للخطر وهم أول من يدفع ثمن المخاطر المباشرة المرتبطة بالوباء من خلال فقدان الوظائف والدخل والصحة، وخاصة في القطاعات التالية: الفنادق والمطاعم والسياحة، النقل، الصيد، المقاولة من الباطن، العمالة المنزلية، البناء والطرق، الأحواض والموانئ، النقل الجوي، الاقتصاد غير المصنف، عمال قطاع الصحة وغيرهم.
وتجدد الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا دعوتها للعمال بضرورة الامتثال الكامل للتدابير الصحية التي تفرضها المصالح الصحية في بلادنا.
وتؤكد الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا مرة أخرى على أن الوقت قدحان، خاصة في هذه الفترة التي تتسم بتناقص الوظائف، لإجراء مفاوضات ثلاثية بين الشركاء الاجتماعيين بغية التوصل لحلول مناسبة تضمن انتعاشا اقتصاديا واجتماعيا أفضل في البلد.
وتهنئ الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا كافة عمال البلد بمناسبة العيد الدولي للشغل، والذي لن يكون -للأسف-بالإمكان تخليده من خلال تجمعات جماهيرية وتطلب منهم احترام التعليمات الصحية السارية.
نواكشوط بتاريخ 20 أبريل 2020
تصنيف: