الحملة الرئاسية. الأستاذ إشدو يستغرب: عجبا لبعض مثقفي ومتكلمي بلادي!

إنهم يرون مصير وطنهم يتقرر، فلا ينفرون خفافا لنصرته وإعلاء شأنه وترسيخ عزته وكرامته بين الأمم!

يرون، وكأنهم لا يرون!

أو كأن ما يرون يتعلق بجزيرة نائية غير مأهولة، أو بغرض أو متاع يباع ويشترى ويعار، ولا عار في ذلك ولا نار! بينما يتعلق الأمر بأرضهم وعرضهم وأمن ورفاهية شعبهم ومستقبل أطفالهم!

أوليست لهم أسوة حسنة في الشيخ محمد عبده الذي يقول:

أحاول الصعب في رأيي فأدركه ** ولا حــــسام ولا رمــــح أرويــــه

وإنما الفــــكر يغني نفس صاحبه ** عن الجيـوش إذا صحـت مباديــه

مجدي بمجد بلادي كنت أطــــلبه ** وشيــــمة الحر تأبى خفض أهليه.

أقول لهم عن دراية ومعاناة دامت نحو 60 سنة، والرائد لا يكذب أهله: وطنكم الذي كان وزال على أيدي بعض من يخطبون اليوم ودكم، ويتلونون لكم تلون الحرباء، وكنتم شهداء على ذلك! قد قيض الله له برحمته كوكبة من أبنائكم شاركت في نضالاتكم وحملت همكم، وحققت بعض آمالكم وتسعى لتحقيق الباقي.. فلما ذا نكصتم على أعقابكم، وكنتم عليهم بدل أن تكونوا لهم ومعهم في أعز وأدق ظرف حين يتم فيه - ولأول مرة- تداول سلمي للسلطة؟!

فلا يكادون يبينون!

وأقول لهم مذكرا ببعض ما أنعم الله علينا به خلال هذا العهد الميمون: "بناء جيش وطني قوي ومهيب قادر على حماية البلاد، ومحاربة الفساد المستشري، وإصلاح الاقتصاد والتعليم والصحة والحالة المدنية والنهوض بها، وإنهاء تهميش وهدر المواطنين في الكبات وآدوبه والأحياء الفقيرة وغيرها". دون أن أتحدث عن الماء والكهرباء والموانئ والمطارات والطرق والصرف الصحي.. الخ.

و"كأني أنادي أو أكلم أخرسا"!

وأقول لهم: وكانت صلتي به (أي الرئيس) في مصلحة الوطن لم أرج من ورائها - ولم أحقق- أي ربح مادي خاص؛ ولذلك كانت مثمرة جدا ومحمودة العاقبة!

"فلم يستبينوا النصح [حتى] ضحى الغد" فيتقون الله في الوطن، ولم يفندوني بمحقق!

وأقول لهم: ولقد طمأنني فخامة الرئيس فأكد لي صحة ما كتبته ونشرته بالأمس، من أنه سوف يسلم السلطة كاملة غير منقوصة للرئيس المنتخب أيا كان! وأنه لن يكون عقبة أمام ممارسة الرئيس المنتخب لصلاحياته، وسيعود إلى منزله بصفته مواطنا عاديا، وسيضع نفسه وتجربته رهن إشارة الوطن والدولة!

فيقول أمثلهم طريقة: "قد جعلها ربي حقا، وإن صدقت يبقى على الرئيس القادم أيا كان، التخلص من الوجوه المحروقة، وأن يخبر عزيز بأنه في غنى عنه وعن تجربته"!

ويقول غيره: "تصْدُقُ أم لا، نرجو الله أن يمكن لابن ببكر"!

وتقول أخرى: "ألا يفتصل مع بقية هذي الدولة إن كانت لها بقية"!

عجبا لبعض مثقفي ومتكلمي بلادي!

أتحدث عن عزة وشموخ وازدهار الوطن، فيتحدثون عن بغضهم للرئيس! وكأن البغض  ثقافة أو برنامج سياسي، أو هدف وطني؟

ويسأل أحدهم الله أن يمكن لابن ببكر، وهذا حقه الطبيعي؛ وتتساءل الأخرى إن كانت بقيت بقية من الدولة!

ترى: أنسي هؤلاء كيف كنا في عهد معاوية وولد ببكر؟

* أنسوا المادة 104 التي ألحقت بالدستور، والدستور هو الدولة، والمادة 11 من قانون الصحافة التي تصادر وتغلق الصحف، وحل الأحزاب الوطنية والتنكيل بقادتها، والسجون المكتظة بالأئمة والعلماء والأحرار؛ بينما تعمر الشرطة السياسية المساجد والجامعات، والعلم الإسرائيلي يرفرف في سماء انواكشوط الذليلة المقهورة يومئذ؟ وتحكم السفارات الأجنبية في القرار الموريتاني؟!

* أم نسوا الاقتصاد المنهار، والدولة الكسيحة السليبة، والعطش، والظلام، وأحياء الصفيح التي تنعدم فيها أدنى ذرة من الكرامة الإنسانية، ومثلث الفقر، والبحر المستباح، والقرض الزراعي المنهوب، والصناعة المدمرة، والمدن والقرى المعزولة.. الخ؟!

* أم نسوا شبح الحرب الأهلية الذي كان مخيما بسبب البغي العنصري والتهميش والحرمان والطغيان والفساد والقمع ومصادرة الحقوق والحريات؟

* أم نسوا أننا كنا يومها بلا جيش وتسيطر على نصف وطننا عصابات الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة؟!

فمن غير هذا الوضع فوقف في عين الإعصار، وأزال الدمار وبنى وعمر وأعز ونصر، سوى حركتي الثالث والسادس من أغسطس بقيادة الرئيسين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني؟

أم تريدون لنا أن نكون لؤماء!

يجب أن تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية، فيقال للتغيير الذي تنشدونه النكوص والرجوع بموريتانيا إلى الوراء، إلى ما كانت عليه في ذلك العهد البائد!

أهو نسيان أم تناسٍ أم جهل أم جحود أم عناد، أم جمود على شعارات بالية، أم تول يوم الزحف واستقالة من مصالح الوطن والشعب؟!

لا شك أن هناك متضررين من سياسات الإصلاح التي ينفذها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وسوف يواصلها الرئيس محمد ولد الغزواني، لأنها جوهر "تعهداته" السنية، ولكنهم قليلون جدا إذا ما قورنوا بالمستفيدين من تلك السياسات!

وما دامت باريس تستحق صلاة كما قال الملك هنري الرابع! (Paris vaut bien une messe) فلماذا لا يستحق عليكم وطنكم (موريتانيا) البحث الجدي والتفكير والاجتهاد والتضحية بالمصالح الشخصية والأواصر والصداقات في سبيل المصلحة الوطنية واختيار الأفضل للوطن؟!

بقلم: الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

تصنيف: 

دخول المستخدم