البعد الإعلامي، كقيمة مضافة للترتيبات الأمنية الوطنية الجديدة

لم يخب ظني فورما أخبرني الصحافي بهوية ضيفيْ القناة الذيْن سيشتركان معي في البرنامج التلفزيوني: الخلاف لا مفر منه بيني مع المتحدث الأمريكي ومع المتحدث الفرنسي؛ ومع أن الوسائل غير متكافئة بطبيعتها، فلا اعتقد أن أيا منا عمل على اقناع الآخر: الرهان ابعد وأعمق من ذلك بكثير! ولو أنه غير معلن. التمكن من المعلومة المفيدة وما ينتج عنه من كسبٍ في رهان الصورة الناجمة هوالنقطة المحورية في التحديات الجيوسياسية. ونعني بالمعلومة "المفيدة" الرسالة التي يتوخى المتحدث أو المرسل إيصالها أو "تسويقها" إلى المتلقي.

الهجوم أفضل وسيلة للدفاع

لقد تحلت الصحافية المحاورة بدرجة عالية من المهنية: كانت ملمة تماما بالموضوع، كما بقيت على نفس المسافة من جميع ضيوفها.

أما أنا، فاعلم أن "الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع"، ولم اشعر أن لدي ما ساخسره إن كنتُ المبادر، على شرط أن أتعاطى مع الموقف بطريقة محترمة. هذا ما حاولته. ولستُ أدري إلى أي حد وُفقتُ[i].

كنتُ قد توقعتُ وجعلتُ حسابا لردة فعل الضيف الفرنسي، لمَّا حاول حصر الإشكالية في الانقلاب العسكري الأخير الذي وقع في مالي. بينما فاجأني الأمريكي بذكره لموريتانيا.

(اضغط : هنا)

ولو أن المقام يليق، لشكرته لأنه اعطاني الفرصة لشرح الوضع الأمني في وطني ومدى الفرق الشاسع بينه مع ما يجري في دول الساحل الأخرى، ومع ما يدور في أذهان كثير من ناشري الرأي الغربيين. إلا أنني أدرك حدود جهدي المتواضع: كلامي كله، جزء قليل من ندوة  تلفزيونية متعددة الأطراف تدوم 20 دقيقة تقريبا، ولن يكفي لإزاحة الغموض والصورة المشوهة عن الأمن والخطر الإرهابي في موريتانيا.

ففي هذا المجال، الحساس والخطير، ينبغي أن نعمل بفعالية على جبهات متعددة، من اجل تحقيق هدفين رئيسيين:

  • أن يكون لنا حضور وصدًى مؤثر في الميدان الإعلامي العالمي؛
  • أن تُبنى رسالتنا الإعلامية وتتغذى على وقائع حقيقية تقوم على تكييف وتعزيز مستمريْن لمنظوماتنا الأمنية والدفاعية.

وحول هذه النقطة الأخيرة، تقوم سلطات البلد باستمرار بما ينبغي، مسايرةً للأوضاع وتطوراتها. وتوجد مؤشرات قوية تدل على بذل جهود جديدة بغية مواكبة التقلبات الجيوستراتيجية التي تشهدها المنطقة.

و من بين تلك التقلبات، التي قد تكون لها تداعيات على أمن وطننا: تقليص قوة "برخان" بالنصف أو أكثر وتوجه باماكو إلى موسكو بغية سد الفراغات العسكرية الناجمة، أزمة الثقة بين فرنسا مع النظام الحالي في مالي، الأوضاع السياسية المتغيرة في تشاد وأثرها على على مجموعة دول الساحل الخمس وأمنها، النشاطات العسكرية والساسية، المتزايدة  بشكل مخيف للجماعات المسلحة المتطرفة على مقربة من حدودنا الشرقية... إلخ.

ليس من رأى كمن سمع

وبما أن عهد مفهوم "الصامتة الكبيرة" (la grande muette)، الذي كان ينطبق على القوات المسلحة، قد ولى إلى غير رجعة، فإن توفير المعلومة العسكرية المفيدة يضفي قيمة مضافة رادعة على الترتيبات الأمنية الجديدة. وبما أنه من المعروف أيضا، أن "من رأى ليس كمن سمع"، فلماذا لا يقام بتنظيم عملية إعلامية واسعة، دولية ووطنية، تغطي مناورات عسكرية معتبرة يتم اجراؤها على الحدود مع مالي، كما أجريت مناورات في السنة الماضية على الحدود مع الصحراء الغربية؟

وطبعا ستكون المناورة المنشودة بالحجم والنوع الملائمين للرد العسكري على نوع وخصوصيات العدو المحتمل في المنطقة المعنية: حجمه، أساليبه وطرقه العمياتية...

وبنفس المناسبة، فمن المفيد أن يتم تحيين ونشر الجوانب الرئيسية المعلنة، التحليلية والاجرائية، للرؤية الاستراتيجية الوطنية الجديدة في سبيل رفع التحديات الأمنية الجديدة والمتجددة: محاربة الإرهاب، الجريمة العابرة للحدود، القرصنة البحرية، الأمن الحضري ومخلفات الشعور بعدمه...

فحسب علمنا، أهم وثيقة رسمية في هذا المجال، موجهة إلى الرأي العام الوطني والدولي، يعود تاريخها إلى شهر فبراير 2012. أي: إلى عشر سنوات خلت. وقد حان الوقت لتجديدها مواكبةً للتغيرات الجيوستراتيجية وسدًا للنواقص في الوثيقة السابقة. ومن المجالات التي ينبغي إضافة واجراء تحسينات اعلامية عليها: تحديات الأمن البحري، التهديدات السيبرانية، تحديات الأمن والشعور بعدم الأمن في ظل الانفجار المتواصل لتقنيات المعلومات والاتصال (TIC[ii] ) وما يرافق ذلك من استخدامات اجرامية وخطيرة... إلخ.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

[i] تصويب: في حديثي خلال البرنامج التلفزيوني عن برنامج زيارة كمالا هاريس لفرنسا، قلت: "مراسيم هدنة 2018"، بينما الصحيح هو: "مراسيم هدنة 1918 ".

[ii] Nouvelles Technologies de l’information.

تصنيف: 

دخول المستخدم