كانت القيادة العامة لأركان الجيوش سباقة لما حذرت من الخطر منذ ما يربو على ثلاث سنوات في بيان صحفي أصدرته يوم الخميس 13 يوليو عام 2017 ؛ وقد جاء فيه أنها لاحظت " تجاوزات خطيرة من طرف منقبين عن الذهب السطحي مصحوبين في بعض الأحيان بأجانب، وقد شملت هذه التجاوزات حمل السلاح، (...) والاتصال بجماعات التهريب والإرهاب والتبادل التجاري معها".
لكن القيادة العامة للجيوش لم تقدم أرقاما حينها. أما اليوم، فإن خبراء تناولوا الموضوع وأضافوا عناصر توضيحية دقيقة تؤكد أن السلطات العسكرية الموريتانية كانت مصيبة في تحذيرها: بعض المصادر تبين أن الاستغلال العشوائي للذهب في موريتانيا يساهم اليوم في تمويل الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
فهكذا تم نشر معطيات بهذا الصدد من طرف مصادر صحفية متعددة تبين أن ما بين 60 إلى 70% من الذهب المستخرج عن طريق المنقبين يخرج من البلاد عبر دوائر التهريب حسب الخبير الفرنسي في الذكاء الاقتصادي (intelligence économique) السيد بيير دهيربيس (Pierre d'Herbès) الذي قال أن البنك المركزي الموريتاني يشتري سنويا 130 مليون دولار من المنقبين في الشامي بينما يتم تسويق 300 مليون دولار من انتاجهم عبر دوائر التهريب وتباع في داكار وفي باماكو. وحسب نفس الدراسة فإن جزءا من هذا الذهب المهرب يذهب إلى جيوب الجماعات المسلحة الإرهابية في الساحل.
ويقول الخبير الفرنسي أن تلك الجماعات تمارس مباشرة نشاطات استخراج الذهب في مالي وفي بوركينا فاصو. ولا يذكر أنها تقوم بنفس العملية في موريتانيا بل يبين أنها تقوم بتأمين مهربي الذهب مقابل تعويضات مالية معتبرة يحصلون عليها.
ولكن يحق لنا أن نتساءل: ما المانع الذي يحول بينهم مع استخراج الذهب في موريتانيا، علما أن هذا النشاط يجري بعشوائية وفوضوية يكاد يكون من المستحيل في ظلهما على الدولة وقوات الأمن التحكم في دوافع العاملين فيه؟ وفي هذه الظروف فمن السهل على الإرهابيين والمجرمين التسلل إلى داخل المنقبين والعاملين في هذا الميدان.
فالاحتمال ليس منطقيا فحسب، بل يشكل عدم اخذه في الحسبان تهاونا أمنيا قد لا تحمد عقباه. لذلك ينبغي إعادة تنظيم القطاع و"مأسسته" بشكل يسمح باتخاذ اجراءات تحول دون استفادة الإرهابيين من استغلال الذهب في بلادنا، وبصورة خاصة ينبغي تشديد الرقابة على تسويق المنتوج وعلى دوافع المنقبين والمسوقين بغية منع تسلل الإرهابيين واعوانهم إلى داخلهم.
وعلى صعيد أمني آخر، يجب التفكير في العواقب البيئية الوخيمة للاستخراج العشوائي للذهب واثره على الوسطين الطبيعي (الجغرافي) والبشري (الساكنة): سواء تعلق الأمر بالمناطق والنقاط التي يتم فيها التنقيب والحفر أو بتلك التي تجرى فيها عمليات سحق الخام وصقله، مثل مقاطعة الشامي التي تعاني لهذا السبب من التلوث بشكل خطير..
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: