الأدب النسائي بين متطلبات الإبداع وإكراهات المجتمع/ بقلم : الدكتورة ابنته بنت الخالص*

د. ابنة منت الخالص

تحظى المرأة الموريتانية بشيء من التقديروالتدليل الذي يعود في الأصل الى الشفقة والحنان اكثر منه احتراما وتقديرا للدور الذي يمكن ان تلعبه المرأة داخل المجتمع. هذه النظرة الخاصة كي لا أقول الدونية للمرأة  داخل المجتمع هي بدون شك التي حصرت دور المرأة في زاوية معينة وساهمت في ابعادها عن ميادين الإبداع والتميزمن خلال عدم الاهتمام بتطوير كفاءاتها خاصة في المجال المعرفي فنجد ان تعليم البنت مثلا يقتصر بالأساس على الحد الأدنى من التعلم في احسن الحالات بينما  يتم التركيزعلى تدريبها على تدبير شؤون البيت وإعدادها للزواج.وإذا ما وظفت المرأة قدراتها الفكرية لإكتساب بعض المعارف فإنها بذلك تعرض نفسها في الغالب لبعض الإنتقادات التي تتفاوت بتفاوة قدرة المرأة المعرفية ومحيطها الإجتماعي. وإذا ما نجحت المرأة في معركتها ضد الجهل والتهميش فأصبحت عالمة أو أديبة فإن قيودوتقاليد  المجتمعتكون لها بالمرصاد, فتثبط عزائمها وتحول مشروعها الفكري الى ضرب من الخيال, فينعكس ذلك سلبا على تميزها وأدائها. رغم ذلك فقد استطاعت المرأة بذكائها ان تواكب ولو على استحياء النهضة الأدبية والفكرية التي شهدتها البلاد منذ القرن الحادي عشر الهجري محققة  بذلك مكانة علمية وأدبية شهد بها المؤرخون والدارسون للمجتمع الشنقيطي. فقد تحدث هؤللاء عن نساء موريتانيات برعن في مجالات عدة من بينهم مجال الأدب الذي نحن بصدده.

الشعر عند الموريتانيين

 يعتبر الشعر عند الموريتانيين سواء كان شعبيا او فصيحا من خصوصيات الرجال فلا ينبغي للمرأة ان تنتج الشعر و لاتزاحم الرجل في ميادين القاء الشعر والمساجلات الأدبية فذلك ليس مستنث ويعرضها لإنتقدات المجتمع  ومع ان هذه مسلمة كانت ولا تزال قائمة فإنني لا اعتقد ان الهدف بالأصل هو حرمان المرأة من الإبداع الأدبي وانما هوحرص المجتمع على ابعادها عن دائرة الخطر بالتعرض للرجال و المساجلات الأدبية خوفا من الخدش او انيل من العرض نلمس ذلك من خلال النظرة التي ينظر بها المجتمع الى المرأة الشاعرة او "لمغنية"التي تختلف تماما عن النظرة  للعارفات لغيره من الفنون الأخرى.

المرأة الموريتانية وعادات المجتمع

ويل مشقان         من عوايد موريتان

فما هي يا ترى عوايد او عادات او تقاليد المجتمع الموريتاني التي تشكوها المرأة بشيء الحسرة والحيرة؟

من عادات المجتمع التي ربما تشكوها االمعنية ان المرأة لا يحق لها التعبير عن مشاعرها العاطفية اتجاه الرجل لأن ذلك يعتبر خروجا على المألوف ونشازا على عادات المجتمع وهذه العادة تعاني منها المرأة الشاعرة او الأديبة اكثر من غيرها لأن معظم الأدب المتداول في مجتمعنا هو الغزل او النسيب او البكاء على الأطلال وكلها امور ترتبط ارتباطا وثيقا بالغزل,وهو المجال الأكثر تداولا بين الأدباء وغيرهم من المتعاطين للأدب ولذلك فقد ظلت المرأة الأديبة تغرد خارج السرب كما يقال  واقتصر انتاجها الأدبي بالأساس على الرثاء والتوسل والنصيحة وانظام المديح .وهنا تكمن الإشكالية التي تسبببت في عدم تطوير الإبداع الأدبي عند المرأة او تراجعه على الأصح لمحدودية الألوان الأدبية التي تتناولها وقلة تداوله داخل مجالس الأدباء وبالتالي فإن قيود وعادات المجتمع حالت دون تطوير الأدب عند المرأة لأن الأدب خلق بالأساس للتعبير عن الوجدان والترويح عن النفس فنرى الشاعر يخاطب نفسه تارة وتارة يخاطب دابته:

صرتك يجمل ما اتعظ دون ال بيه اغرام

اوصرتك يجمل ما اتكظعن ذ اسناف الحام

وكذلك النفس والوجدان لها املاءاتها. ومن ذلك قول الشاعر:

اني لذو شيبة يرمي به الزمن         خطبا فخطبا فما يحلو له وطن

لكنه ان يصادف منظرا حسنا                 قالت له النفس هذا منظر حسن

وهو ما ذهب اليه الشاعر ابلغن الحساني:

"ثقل ول آدم من لكهال        كان ابشباب عنو زال

ابذنيه او سمع مزال          وابعينيه اشوف ابعنيه

ول شاف ابعينيهاونال        امل من جيهت وذنيه

ملاه يكبل بعد البال           عنو مغاد ش فيه"

أدب التبراع

إن نظرة المجتمع للأدب عند المرأة التي تحدثنا عنها آنفا جعلتها تعاني  امرين احلاهما مر الأول كبت المشاعر العاطفية وعدم القدرة على التعبير عنها او البوح بها لا لنفسها ولا لدابتها حتى ضاقت بها طاقتها الإستعابية من ذلك قول إحداهن:

"ما في حفر        من حبو ترفد ما لخر"

وفي بعض تتحدث عن فقدان الجوارح التي حباها الله بها:

من عزت كمي     بكم طرش عت او عمي

الأمر الثاني الشعور بضيق افق التحرك في مجال الإبداع فقيود المجتمع التي حصرت المرأة في زاوية ضيقة ولدت عندها شعورا بالضيق وكبتالمشاعر فجرى لسانها بأدب عفوي مميز للمرأة وكأنها تريد ان تقول للمجتمع حرمتموني مشاركة الرجل أدب الغزل والنسيب فاخترعت أدبا عاطفيا رائعا في أسلوبه ومعانيه لا يشاركني فيه احد فجاء التبراع صادقا ومعبرا بما فيه الكفاية عن ما تعانيه المرأة في مجتمع تحكمت فيه العادات وأجبرته على الانصياع حتى اننا في مراسيم عقد الزواج  نعتبر صمت المرأة قبولا اسكات اكبول بدل التصريح لفظيا بقبول الزوج لأن عادات المجتمع لا تقبل  للمرأة ان تعبيرعن مشاعرها العاطفية تجاه الرجل تحت أي ظرف.

مكانة  التبراع في الأدب الموريتاني 

يستمد التبراع قيمته الأدبية من كونه أدبا خاصا بالنساء مجهول المصدر والهدف وهو جزء هام من موروثنا الثقافي وهو كما عرفه الباحث محمد مولود ولد دادداه "لفظ عربي يعني التفضل والبذل وعندنا يعني الحب والمغازلة"انتهى الإستشهادوهو في حد ذاته وان كانت المرأة بالفعل تجد فيه نوعا من المتعة والترويح عن النفسلايعدو كونه تعبيرا بصدق عن واقع المرأة عموما والمرأة الشاعرة خصوصا في بلاد المليون شاعر، ولكنه مهما كانت مصداقيته الأدبية التي يتحدث عنها البعض لا يتجاوز كونه نوع من لهو الحديث للترفيه والتسليية وملئ أوقات الفراغ عند النساء هذا إضافة الى كونه هو الآخر في تراجع امام تقنيات الإعلام والإتصال وانماط أخرى من أدب النساء ظهرت في الآونة الأخيرة مثال :"بيبينيحكللبيبيني".

وبما أن أداء المرأة الأديبة او الشاعرة ظل محصورا في زوايا محددة فلم تتح لها فرصة لتطوير معارفها في مختلف ألوان الأدب وبالتالي فإنها فلم تستطع ان تجد المكانة التي كان من المنتظر ان تتبوأها,لكونها واكبت بدايات انتاج الشعرفي هذه البلاد وكانت لها مشاركات رائعة، فهذه مثلا مريم بنت احمد بزيد في القرن الحادي عشر الهجري تنشد الشعر الفصيح وهي تكابد الذود عن العرض:

"علينا من الرحمان سور مدور              وسور من الجبير لا يتسور

وسور من السبع المثاني وراءه            وياحي يا قيوم والله اكبر

إذا كنت وحدي سائرة في مضلة          وحولي من الأعداء ما ليس يذكر

فإن اله العرش اكلأ حافظ                 وحسبي به ان كان حفظي يذكر"

الخ

وهذا دليل على ان المرأة رغم كل التحديات استطاعت ان تترك بصمات كانت ولا تزال منبع فخر واعتزاز للمرأة الموريتانية رغم ضياع الكثير من ثقافتنا العالمة بسبب الظروف المناخية وحياة البدو الرحل التي كانت سائدة في هذه البلاد.

نماذج من الشعر القديم عند المرأة :

وصلتنا نماذج رائعة لعالمات وشاعراتابدعن في المجالات الأدبية التي تناولتها المرأة بالأساس من ذلك قول الشاعرة مريم بنت عبد الجليل الجكنية في النصيحة:

"تباعد عن العصيان ان كنت ذا عقل   وشمر لفعل الخير ناهيك من شغل

وخف فجأة الموت الذي يأتي بغتة     وإياك والإسراف في الترك والفعل

ولا تطع النفس الخؤونة انها           لأمارة بالسوء في غاية البخل

الخ "

وتقول عائشة بنت البخاري ولد الفلالي الباركي في مدح ابن عمها محمد ولد عبد العزيز الذي اشتهر بالعلم والسيادة وتطبيق شرع الله لا تأخذه في الله لومة لائم:

"محمد ابقاك الإله على الحق                   بأمر ونهي ذين من اقوم الطرق

فأنت لأهل السبق ذخر وملجأ    وانت شحاك الظالم المدمن الفسق

الخ"

وفي التأمل تقول الشاعرة خديجة بنت آدب:

خلي الليالي ان زارتكاكدارخلها علها فالدهر دوار

لا بد من فرح يوما ومن ترح فالدهر شيمته حلو وإمرار

 

وفي الاستسقاء تقول أم الفضل بنت الكوري:

الهي سقيا ذي الينابيع غيضتي          وارض المواشي صوحتواقشعرتي

وانت قديما قد قضيت برحمة           على ذاتك العليا عن الوصف جلت

قضيت بها منا لعلمك ضعفنا            قضاء امتنان لاوجوب حقيقة

الخ

في التضرع الى الله  تقول الشاعرة هند بنت امباب  اليعقوبية على لسان فتيات الحي:

"يا ربنا بمن في الأرض والسما          والأنبيا والأوليا والعلما

ومن لرسل الله كان ختما                 يسر فتى يسبي الهوى متيما"

 الى ان تقول:

"يحسبه الجاهل ما لم يعلما                كجيد ظبي فوق ظبي احمما

يورني الأحزان والتندمىا                على الذي من الهوى تقدما"

من الضعر الشعبي غير التبراع:

تقول الشاعرة عيشة بنت احميد السباعية

"ما كط سلطان احمان او لاكط شاعر جولان

والجار سكان امعانا ولمدافع امنين انسل   

ما كط عرب نكلان      بالموت نحتل بل 

أمسكون فالشر اكفان او مكعود فالخير افظل

الخ"

مريمة

"كول للناس السايده    فمر الغلظ او متكبر

الغلظ الا بالفايده      ماه باشيكالخنفر

اباش الغلظ اعود زين     يرفع ملاه الى امنين

اخفض جنحك للمومنين    او كلل فارشيكالخنفر"

الخلاصة

وخلاصة القول أن المرأة الموريتانية الشاعرة استطاعت بذكائها وقدراتها الذهنية ان تجد لنفسها موطئ قدم في مجتمع بدوي محافظ تسود فيه عادات وتقاليد لا تسمح للمرأة بالتميز والإبداع خاصة في مجال تراه من خصوصيات الرجال.وبناء عليه فإن البحث في إمكانية تلافي الأدب عند المرأة اصبح مسألة ملحة لما يتعرض له هذا الجانب الهام من موروثنا الثقافي من ضياع بسبب الإهمال وقلة التداول وذلك من خلال تشجيع المبدعات  والعمل على نشر ثقافة الأدب لدى الفتيات المتعلملت وإلا فإن المرأة الشاعرة ستظل رهينة قيود المجتمع محصورة في زاوية الهمس والترنم. مع ان مكانة المرأة في المجتمع يقول الباحث محمد مولود ولد دادداه "تتحدد من خلال قوة شخصيتها وقدرتها على تحمل المسؤولية".

------------------------------------

* قدم هذا النص على شكل محاضرة من طرف كاتبته مساء أمس- الموافق 26 دجنبر 2018 -في المركز الثقافي المغربي بانواكشوط، و ذلك في إطار  نشاطات " صالون الأدب النسائي بالمركز الثقافي المغربي."- التحرير. 

تصنيف: 

دخول المستخدم