قَلَّ منا ومن نخبنا من لا يتحكم منطق الجهوية والقبلية والشرائحية في عقلياتهم إلى حد كبير؛ والعلة متفشية جدا في المجتمع لدرجة جعلتها تسود فكر وسلوك زعمائنا السياسيين ومثقفينا وباحثينا وناشطينا من المجتمع المدني... كلنا: يساريون كنا أم ليبراليون، إسلاميون أم علمانيون، "عروبيون" أم غير عروبيين... عاجزون عن التحرر من هذا المنطق المتجذر في اللاشعو الجمعي لدينا مهما كانت مستوياتنا التعليمية ومشاربنا العصرية: الثقافية والعلمية والإيديولوجية.
لكننا، كنخب وطلائع، لا نعترف أبدا بهذا الخلل الخطير.. بل نتظاهر جميعا بعكسه تماما. غير أن الداء متفحل ويطغى على الخطاب السياسي ليخرج أحيانا عن السيطرة دون أن يفطن المتحدث أو بقصد منه محسوب احيانا. وهكذا يمكن تأويل الاعتذار الذي قدمه مسعود ولد بلخير مساء اليوم لسكان اترارزة عن عدم دعمه للسيد احمد ولد داداه خلال الدور الثاني من رئاسيات 2007.
ومن المعروف أن زعيم حزب تجمع القوى الديمقراطية -ولد داداه- كغيره من المترشحين للرئاسة- بمن فيهم مسعود نفسه، كان يخطط آنذاك للحصول على رئاسة موريتانيا.. وبرنامجه الانتخابي موجه- كجهده السياسي العام- لجميع مواطني البلد دون استثناء ولا تمييز. فكان حري بالسيد مسعود أن يعتذر للناخب الموريتاني وليس للناخب "التروزي" فقط.. اللهم إن اعتبر أصلا أن انتماء احمد ولد داداه جغرافيا إلى منطقة اترارزه يجعل من هذا الأخير مرشحا حصريا باسم ساكنة ولايته دون غيرهم من الشعب الموريتاني.
وهذا تفكير يحضن بين طياته عقلية تأخذ الجهوية منها قسطا كبيرا.. وقد يرى فيه البعض، من جهة أخرى، أصابع اتهام خفية بالجهوية يوجهها رئيس حزب "التحالف" لمنافسه احمد ولد داداه وإلى "اهل اترارزه". لكننا نعتقد أن الأمر ليس على هذا المنوال. مسعود أطلق العنان للسانه.. فأفصح بشكل عفوي وعلى طريقته -المعهودة نوعا ما- عن ما نكنه جميعا: تحكم الجهوية والقبلية والشرائحية في عقولنا وسلوكنا الفردي والجمعي رغم ما نحاول التظاهر به من عدمها وحتى محاربتها.
وقد يعيب المرء والساسة على زعيم سياسي محنك مثله هذا النوع من الخرجات الإعلامية، معتبرين أنه لا يخلو من سذاجة لا تليق بمن هم في مستواه. وهم محقون إلى حد ما. غير أن براءة الكلام العفوي الذي يأتي احيانا على لسان مسعود قد تشفع له.. حتى وإن كانت تلك العفوية جد مقيدة ومحسوبة من طرف صاحبها.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: