أنْ تفكر بلغة وأنت تكتب أو تتحدث بأخرى، ما العيب في الأمر؟ لا أراه شخصيا؛ صحيح أن "ازريگفونيتي" قد تحجب عني مساوئ الازدواجية اللغوية؛ وحسنا فعلتْ، طالما أنها تعطي مرئية (visibilité) أفضل لما أعبر عنه، ومن ثَم للعلاقة بين المرسل والمتلقي.
وهي كذلك لا تحول دون أدماني على رسم الكلمات بل كثيرا ما تغذيه، وتحفزني رغم صعوبة ابتلاع المخدر أحيانا. وحسنت فعلتْ أيضا. فكيف للمرء ألَّا يشعر براحة تسبقها مرارة، لمَّا يُخرج إلى النور ما يغمره من أحساسات، ومشاعر، أو افكار، كانت عسيرة المخاض!
هذا في عهدٍ يعيش فيه العالم عدم نفاذية في حدودٍ هشاشتها طالت جميع الفضاءات والميادين: الجغرافية، السياسية، الاقتصادية... و"اللغة الأم" لم تسلم من هذ العزو: اسوارها تتلاشى بسهولة أمام "الضربات الناعمة" للعولمة والثورة في تقنيات الاتصال. مما تسبب في خلق أدوات لغوية متعددة الألوان: كلما اتسع الطيف اللغوي للمتكلم وتنوع، زاد مدى رسالته واتسعت دائرة انتشارها.
ومنذ زمان قديم، كنا في موريتانيا نستمتع من حين لآخر بأدب "ازريْگه"، بوصفه خليطا بين لغتين أو أكثر في نص شعري واحد. أما الآن، فينبغي أن نتجاوز مرحلة ذلك الاستمتاع الظرفي إلى مرحلة الاستخدام الوظيفي الفعال للتعدد اللغوي كأداة بناءٍ، فردية وجماعية، لا غنًى عنها. فبقدر ما تَحكَّمنا في مهارات آليات التنوع اللغوي، بقدر ما اثرينا هويتنا اللغوية والثقافية، وعززنا أصالتها وحيويتها، خلافا لما قد يتوهمه البعض.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: