إن هي إلا أعراض المخاض / بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

هناك حقائق ومقولات أربع شقت طريقها عنوة وتربعت على عرش الخطاب السياسي الموريتاني كالشمس في رابعة النهار، بعد أن ظلت موؤودة في غياهب النسيان والجحود حينا من الدهر؛ ألا وهي:

* أن عدونا الأول هو الفساد.

* أن العبودية - ملك الإنسان للإنسان، لم يعد لها وجود في بلادنا؛ بل يوجد هدر وتخلف وفقر وجهل يعم سواد الشعب الذي ظل سدى طيلة الحكم العسكري والتيه الذي ساد خلاله في بلادنا.

* أن "الربيع العربي" بوجهيه الحقيقي والمغشوش لن يصل إلى موريتانيا لانعدام أسبابه.

*أن نظام الفساد الذي يعشش في بعض مفاصل الدولة قد انتهج نهج التِّقْيَة في صموده ومقاومته للتغيير والإصلاح، فتوزع رموزه في خندقي الموالاة والمعارضة، وقادوا معاركهم من داخل القطبين اللذين يتعاظم فيهما - أو يتضاءل- نفوذهم حسب آليات ووقائع الحرب الدائرة بين الإصلاح والفساد؛ والحرب سجال ما لم تحسم: يوم لك ويوم عليك.

وبخصوص هذه المقولة الأخيرة، قال لي صاحبي أمس مزهوا، وقد ألقى نظرة عابرة على "كبريات" مواقعنا "الإخبارية": "أرأيت؟ لقد قامت الثورة بقيادة الشيوخ، وأضرب العمال، وفشل الحوار، وانهارت دفاعات النظام، وسوف تسقط الحكومة، ويحل الحزب الحاكم. إنها نهاية صاحبك الذي راهنت عليه في محاربة الفساد وإعادة التأسيس".

قلت له: "على رسلك، يقول المثل: من الخطل بيع جلد الدب قبل قتله. وإني لأرى الأمر عكس ما تتصوره. فالتناقض والتدافع سنة من سنن الكون لا يخافها إلا الجبناء الخاملون الحريصون على مصالحهم المشبوهة من أن تعصف بها العواصف الاجتماعية.. وإلا الطوائف السياسية التائهة الجامدة.

    بالله عليك.. أما حان للمشهد السياسي في بلادنا أن يتبلور وينضج بعد أن ظل حابله مختلطا بنابله بضع سنين، فيتبين الخبيث من الطيب، وتتمايز القوى والبرامج السياسية بعضها عن بعض، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة؟

وأما صاحبي، فلا تقلق عليه. أنا لا أراهن على فرد، رغم أهمية الفرد والدور الذي ينهض به في بناء الجماعة؛ بل أرصد وأدعم الاتجاه التاريخي في العملية الاجتماعية. وإن جماعة الـ 3 والـ 6 أغسطس التي كسرت القيود وحررت الوطن وأرست الديمقراطية ووضعت أسس بناء صرح موريتانيا التي نحلم بها ونفخر، وأعلت البنيان، لتمسك جميع خيوط اللعبة السياسية في البلاد، وتدرك أبعاد وأهداف الحراك الدائر فيها. وهي، كما سبق أن أكدت لك مرارا وتكرارا، وأكده رئيس الجمهورية أخيرا، لن تكون عقبة في طريق المسار الديمقراطي الذي أطلقته ورعته، ولن تغير مواد الدستور المتعلقة بالتداول السلمي للسلطة؛ ولكنها - ومن حولها الشعب- لن تفرط في مكاسب ونهضة ومجد الوطن، وستبقى حارسة لها من عبث المفسدين إلى يوم الدين.

ومثلي وإياك كمثل "الظاهرية" و"الباطنية": يحكى أن الباطنية وجدوا الدنيا صريعة تخور وتتلوى فظنوها تحتضر، فصاحوا بالظاهرية وكان بينهم جدال مزمن في الدنيا والدين: "تعالوا أدركوا صاحبتكم الدنيا.. إنها تموت". هرع الظاهرية إلى المشهد وعاينوا الدنيا فابتسموا وردوا فورا على الباطنية: "أما حان أن ترعووا، وتزول عنكم الغشاوة والعمى.. أما ترون أنها تلد؟!".

تصنيف: 

دخول المستخدم