أُكرر وأُكرر: "الضباط في غنىً عن تلميعكم.. ولا يضرهم تشويشكم...!" (أربعاء, 2020/06/10 )*

حضارتنا الأصيلة، العربية والإفريقية، بنيت على أسس ثقافية المدح والذم من أهم محركاتها وتجلياتها، كما يشهد على ذلك مكانتهما السائدة، كأغراض رئيسية، شعرية وأدبية، في تراثنا وعلاقاتنا. ويزيد من ترسخهما تركيبة المجتمع الشرائحية (stratification sociale) التي تولي تمجيد الطبقات العليا وأفرادها أهمية كبيرة، حيث يُعتبر المدح بمثابة قيمة مضافة ترفع من شأن الممدوح نحو قمة الهرم الإجتماعي. بينما يخفض الذم من قيمة الشخص أو المجموعة ويدفع بالمهجو نحو الحضيض.

هكذا كنا نعيش منذ قرون: نلهث وراء المدح، ونفر من الهجاء. ولم تختف العقلية مع استقلال البلاد ونشأة الدولة العصرية، بل واكبت التغيرات الجديدة والتحمت معها تماما. وبصورة خاصة، تم توظيف المدح إلى أقصى درجة في العمل السياسي، كما لم يغب عنه الهجاء.

وما زال نفس النهج سائرا.. بل اتسع نطاقه، وتطورت أشكاله ووسائطه مع الطفرة التكنولوجية الكبيرة التي شهدتها تقنيات الاتصال الجديدة. فتم اختزال دور الإعلام والعلاقات الإجتماعية إلى حد كبير في وظيفتين متقابلتين، لا يسلم منهما أحد ولا مؤسسة: تلميع الصورة أو تشويهها.

وطبعا، فبقدر ما تكون الصراعات السياسية والنزاعات الإيديولوجية- وغيرها من التجاذبات- قوية؛ بقدر ما يشتد السباق بين المتنافسين حول كسب رهان الصورة. ومن الطبيعي أن يحتل الصدارة في هذا الميدان رجال السياسة والناشطون من مختلف الأجناس: الناشطون في المجتمع المدني، رجالات الدين، الفاعلون الاقتصاديون... إلخ.

ولكن المزعج في الأمر، أن بعض العاملين في الحقل الإعلامي كثيرا ما يحاولون الزج بقادة وأطر القوات المسلحة وقوات الأمن في هذا العراك. فنرى صحفيين ومدونين يمدحون الضابط "فلان"؛ ونراهم يهجون الضابط "فلان" أو القائد "فلان".

فعلى هؤلاء أن يعرفوا ويعوا أن القادة والمسؤولين العسكريين والأمنيين ليسوا بحاجة إلى عمليات التلميع التي "يتبرعون" بها- جزاهم الله خيرا. كما أن محاولات التشويه الرخيصة لا تضرهم- عفا لله عن أصحابها.

وقد شهدت الأيام الأخيرة قفزة في نشاط هؤلاء على أثر التحويلات التي أجراها رئيس الجمهورية في قيادات القوات المسلحة وقوات الأمن منذ يومين.

وكردة فعل على هذا النوع من الدعايات المريبة، أقول للقائمين بها ولمن وراءها، إنني لاحظتُ شخصيا خلال خدمتي في الجيش، أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ظل طيلة توليه الوظائف العسكرية بعيدا من "ممتهني" تلميع الصورة. كما أنه لا يأبه ب"محترفي" تشويهها. صحيح أن الله- عز وجل- أنعم عليه بصفات وخصال تغنيه عما يعرضون. وهذا فضل من ربنا تعالى يطال جميع الناس بمن فيهم القادة والأطر العسكريين أياً كانوا.

إذن، كفوا- أيها الإخوة والزملاء- عن محاولات تلميع بعض القادة وتشويه آخرين. فالأولون في غنى عنكم.. والآخرون لن تضروهم. اقتصدوا في جهودكم الدعائية وما تُسوِّقون.

عقيد ركن/متقاعد: البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

--------------------------------------

* كما يظهر من التاريخ المرفق للعنوان، نُشر هذا النص في 10- 06- 2020، أي منذ سنة ونصف تقريبا، في "موريتانيا المعلومة"؛ كما نشرته مواقع إلكترونية أخرى آنذاك. وها نحن ننشره من جديد للتذكير بموقفنا من "أدب" المدح والذم عندما يكون موضوعه أعضاء القوات المسلحة. فعسى من يقدموا لنا طلبات بنشر نصوصهم، أن يجدوا فيه تفهما في حالة تحفظنا على بعضها.

تصنيف: 

دخول المستخدم