من أجل ترسيخ الديمقراطية في البلد : حرية المعلومة وحق المعرفة للمرأة الموريتانية

لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بمعناها الحقيقي دون التعرض للسياقات الثقافية والاجتماعية التي تتجلي من خلالها ثقافة الديمقراطية في تمظهراتها الحقيقية، وهي عندما تتحول الديمقراطية من كلام نظري بحت إلي سلوك يمارسه الأفراد داخل المؤسسة الاجتماعية بدءا بنواة هذه المؤسسة –الأسرة- ووصولا إلى أعلى هرم فيها أي ممارسة السلطة, ومرورا طبعا بكافة الأنساق الثقافية ومن ثم الإعلامية باعتبارها تعبيرا عن هذه النظم.

 فبدون نفاذ كافة مكونات المجتمع  إلي المعلومة لايمكن القول أن هناك ما يتكأ عليه في خدمة الحقيقة, فلا حقيقة دون شفافية المعلومة.. وبالتالي الحق في معرفتها معرفة حقيقية مصانة ومحمية بالقانون والنظم المعمول بها داخل مجتمع ما.

وإذا تعلق الأمر بقياس قدرة المرأة علي ترسيخ  الديمقراطية في مجتمع كموريتانيا - كان إلى حدود 2004 مصنفا في درجة 138 في الترتيب الدولي لحرية الصحافة-, فإن الأمر قد يكون متعذرا نسبيا لعدة اعتبارات.  أهمها : أن كلما يدور في فلك السياسة وما يُسمح للصحافة بالحديث عنه من هذه "السياسة" هو بمقدار ما تسمح به الحكومات في البلدان المتخلفة التي تعتبر أن العلاقة بين الصحفي والحكومة هي علاقة عدائية.

فالحديث عن الديمقراطية لا جدوى له إذا لم يقترن بالحديث عن حرية التعبير, والكلام عن هذه الأخيرة يقودنا ضرورة إلي الحق في البحث عن المعلومة والحصول عليها.

هذه المعلومة التي تحتفظ بها الدولة عادة في البلدان النامية-وهي اشد حرصا عليها في موريتانيا-, فلا جدوى لحرية التعبير ما لم تلتزم الدولة بضمان الوصول إلي المعلومات بكافة أشكالها.

ومن منطلق الجدل بين الحكومة والمواطن, أيهما حامي المعلومات وأي منهما الأجدر بحراستها, بتعبير آخر أي من الطرفين عدوا للمعلومات وأي منهما وكيلها بامتياز, سنحاول أن نمحور هذه الورقة حول ثلاث نقاط هي على التوالي:  الإشكالية - المنهجية- الأدوات.

لإشكالية

​ستكون لنا نقطة ارتكاز ثابتة تتمثل في المبدأ التالي : حرية المعلومة وحق المعرفة: حق وواجب. و يشكل هذا المبدأ حجر الزاوية في كل تحليلاتنا و استنتاجاتنا.

من المعروف أن المجتمع  الذي نحن بصدد الحديث عنه – موريتانيا- خليط من القيم ومفاهيم العلاقات العائلية القبلية الهشة,هذه المفاهيم أصبحت ملزمة بالتعايش مع منظومات مفاهيمية جديدة عليها كالمواطنة، المجتمع المدني، الدولة الحديثة، الديمقراطية... وغير هذه المفاهيم التي تميز الفترة المعاصرة.

وفي ظل نظام عالمي يؤثر بقوة علي الثقافة المحلية الوطنية والعمل علي تكوين قيم ثقافية واجتماعية واتصالية جديدة تتلاءم وطموحات العصر, كان لزاما الحديث عن دور المرأة في هذا السياق.

فرغم أن المرأة الموريتانية شكلت وتشكل نشازا علي نظيراتها الإفريقيات والعربيات فيما يخص المكانة الاجتماعية التي عرفت بأنها تمتعت وتتمتع بحيز من التقدير غير متوفر لأخريات, فقد كانت في الماضي معلمة, كاتبة وشاعرة وصاحبة رأي نافذ حتى في الجماعة أحيانا. إلا أن هذا الإمتيازلم يمنعها من الوقوع في الكبوة التي وقع فيها المجتمع ككل, فالسياق التاريخي شاهد علي أن سكان هذه البقعة كانوا حماة الدين بحق، وبالتالي حماة المعرفة.

غير أن غياب التنظيم في شكل الدولة الحديثة ومرحلة الارتكاسة التي شهدها البلد –لما انشغل رجاله في مقاومة الاستعمار-.كلها عوامل تضاف إلى غيرها أضعفت البنية الثقافية والنسيج الاجتماعي، وبالتالي قللت من استعداد هذا المجتمع للانسياق وراء النظام. و يتساوي في ذلك الرجل والمرأة...

ومن هنا نعود لما تعرضنا له في الفقرة السابقة من التزام بالحديث عن دور المرأة  بصدد الحصول علي المعلومة من أجل ترسيخ الديمقراطية فحسب، بل من أجل الحصول علي الحق في المشاركة في تحقيق تنمية البلد باعتبار أن التنمية هي كل شمولي يدخل الإعلام في تركيبته بجرعة قوية.

فإتاحة الحرية الكاملة في الحصول على المعلومة ،لا للمرأة فحسب، بل لكل أفراد المجتمع ومن ثم كل وسائل الإعلام وهيئات المجتمع المدني، أمر من الأهمية بمكان. من اللازم إذن أن يتزود الجميع بالمعلومات الدقيقة حتى يتسنى للفاعلين الإعلاميين وضع تصور واضح المعالم. وفيما إذا لم يتم ذلك فان هناك تعتيما يتم ترسيمه من قبل موفري المعلومة و حاضنيها سواء كان هؤلاء من مؤسسات الدولة أومن غيرها. وحينها ستكون الدولة بصورة خاصة تسير في اتجاه معاكس للنمو، بل معاد لرشاد الإدارة العمومية (التي بلغت الخمسين ومازالت مراهقة).

فالوصول إلي المعلومة غير مشوهة وفي وقتها المناسب هو حق لكل مواطن رجلا كان أو امرأة (هما اللذان يشكلان الجمهور) دون ممارسة تمييز علي أساس الجنس, هذا الوصول هو الرابط الحقيقي بين المواطن والفعل التنموي في شكله المستديم.

فلن يوجد مجتمع متوازن النمو ما لم يلج كل أفراده إلي المعلومة الصحيحة, ولن تكون صحيحة حتى يلج المواطن العادي إلي كنه الحدث السياسي حيث يشكل الفساد السياسي أول عدو لحرية المعلومة. وبالتالي  يتحول الحق في الحصول على المعلومة من حق إلي واجب و ضرورة  بدونهما يظل الصحفي قاصرا عن أداء مهمته ما لم تتم حمايته.

ففي الفساد الإداري والمالي يعشش التعتيم أي تحفظ رجل الدولة ـ أو الهيئة المعَتِّمة ـ كحارس العدو (الصحفي) مما ينتج تنافرا وصراعا خطيرين بين حرية المعلومة والحق في معرفتها.

وإذا كانت هذه هي الوضعية التي تولد فيها المعلومة حيث أن مهمة صيانتها غير موكولة للرجل الذي هو وكيل المرأة فلا أعتقد أن ثمة من سبب لتودع هذه الثقة للمرأة التي تصنف في درجة متأخرة في هرم الوكالة هذا.

فالديمقراطية وحرية الإعلام كلها مفاهيم  تقاوم في جوهرها الفهم الخاطئ الذي يجعل من التنوع الجنسي أو الثقافي رمزا للدكتاتورية أو العنف, في حين أن الديمقراطية الحقيقية هي التي تحتضن في رحمها الجنسين مع كافة التنوعات السلبية...

  فلا قيمة لإعلام لم ينجح في إذابة الفوارق مع  مراعاة  الخصوصيات الاجتماعية بمعناها الايجابي, فالإعلام هو وسيط  التغيير الذي يخلق وعيا لدى المجتمع بمعوقات التقدم فيه. وهو الذي يشرح ويبشر بالتحولات، وهو الذي يروج لأفكار الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية, لأكن الإعلام كما أسلفنا يبقى دائما مرتبط بالسلطة حسب تبني القائمين عليها له.

فالإعلام إذن سلاح ذو حدين : إن لم يستخدمه أصحابه استخداما مهنيا خالصا غدا ضارا بدل منفعته التي تتوخي منه.

و ما دام يلعب دورا خطيرا ومهما كهذا فكيف يقبل تغييب دور المرأة فيه وان تظل "مفعولا به" بدلا من أن تكون فاعلة في هذا المجال؟

والسؤال يجرنا إلي الحديث عن جزء الإشكال الثاني: الهدف التكاملي لدور المرأة في حرية المعلومة وحق المعرفة أي دورها في الإعلام بصفة عامة.  على الأجهزة الإعلامية أن تحد من انعزال المرأة عن الرجل وتساعدها علي الاندماج في المجتمع مع الحفاظ على الخصوصيات,

ومن جهة أخري فان إقرار الديمقراطية لا يتم إلا بالاعتراف بعريضة واسعة  من الحقوق  المتنوعة و المتعددة , على رأسها الحق في الحصول علي المعلومة والحق في اعكئها وحق كتمان ما يتعلق منها بالحياة الخاصة والحق في المشاركة في أجهزة الإعلام وكل هذه الحقوق ينبغي أن تندرج فيما يسمي بحق الاتصال الذي أتي لتدعيم الحقوق الاجتماعية وفي مقدمة هذه الحقوق, حقوق المرأة في صورة إعلامية غير مشوهة.

وهذه النقطة تلتقي فيها مطالبة المرأة بحقها مع المطالبين بالنظام الإعلامي الجديد بما يحمل من تطورات في الشكل والمضمون.

وبما يدعو إليه من عدم هيمنة الأسلوب التجاري علي حساب الثقافة المحلية.

فالأجهزة الإعلامية في البلدان النامية عامة ت وفي موريتانيا علي وجه الخصوص ـ تتحمل جزء من المسؤولية في الصورة الراسخة في ذهن المواطن لذا كان لزاما الانتباه علي هذه المسألة والعمل علي تحسين هذه الصورة,

فدور المرأة مثلا في العمل الاقتصادي والاجتماعي أصبح يتبلور يوما بعد يوم وأصبحت أجهزة الإعلام تقدم الكثير من المعلومات عن أنشطتها المختلفة إلا أن هذا التقديم ناقص جدا  لضآلة وسائل الإعلام وعدم موضوعيتها أحيانا في اختيار من تقدم.

 

                                      المنهجية المتبعة والأدوات

نظرا لأن الموضوع يهدف إلي التعرف علي واقع ومكانة المرأة الموريتانية ومشاركتها في عملية حرية المعلومة وحق المعرفة ومن ثم المساهمة من خلالها كأداة لإرساء ديمقراطية حقيقية.

ومن ناحية الأدوات فقد كان لزاما أن تتم الاستفادة من المصادر والإحصائيات والأدبيات المكتوبة الرسمية وغير الرسمية في هذا الموضوع من أجل التعرف علي واقع مشاركة المرأة في الحياة العامة ومن ثم مساهمتها في الدور الذي نحن بصدد معرفته.

يعتبر الحديث بشيء من الدقة عن موضوع كهذا حديثا ذا شجون بحق.

فالحديث عن إعلام قادر على خلق ثقافة يمكن تبنيها كلبنة في بناء ديمقراطية حقيقية واعدة لا يزال ضربا من المستحيل, فلا الإعلام "الرجالي " استطاع الوصول إلي هذا الحد, فمن باب أحري ,

فالإعداد لإفراغ هذا المفهوم من محتواه ودلالته قد تم حني قبل أن يولد, حيث أصدرت السلطات الموريتانية القانون رقم 109/63 الذي أعطى لوزير الداخلية الحق في إصدار قرار يمنع جولان وتوزيع الصحف والمنشورات, ليستمر العمل بهذا القانون حني دستور 1991 الذي تمخضت عنه المادة رقم 11 سيئة السمعة والتي عرفت بأنها الفترة التي ولدت فيها الصحافة المكتوبة ولكن الحاكمين إبانها لم يتركوا هذه الصحافة ترى النور إلا من أجل أن تمارس هذه المادة بطشها المعروف.

أما العوائق دون نفاذ المرأة بما فيه الكفاية إلي المعلومة وحق معرفتها, فنذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر:

- العوائق الاجتماعية: رغم كون المرأة الموريتانية صاحبة سيادة كبيرة نسبيا في مجتمعها كما أسلفنا, إلا أن هذه السيادة مستمدة من نظرة المجتمع الي المرأة وليس مما تقوم به المرأة داخل المجتمع, لذا فهيكثيرا ما لا تعامل بوصفها "مستودع أمين للأسرار"، بل أحيانا لا لزوم بان تكون علي علم بكل ما يجري في البيت, فما بالك بالمؤسسات عمومية كانت ام خصوصية.

- هذه المهنة بفعل صيتها السيئ داخل المجتمع, ليست مهنة يعتد بها صاحبها والمرأة ما دامت ترى زميلها الرجل لم يجرؤ علي شق طريق سالك, فإنها طبعا قد تتأخر من باب الحيطة والحذر.

أما العوائق المهنية، فحدث ولا حرج:

الصحفيون هم في الغالب هواة لهذه المهنة وليسوا مهنيين بالتكوين, وبما أن هذه المهنة هي مهنة المتاعب فأغلبية النساء لا تريد أن تكلف نفسها ذلك العناء, لأنها حتى وإن غامرت فهي قطعا لن تكون المستفيدة "رقم 1" على الأقل ولا قي المرتبة الموالية ولا التي تليها, اللهم اذا كانت من النساء اللاتي وراءهن من يرهب أو يرغب, أو إن كانت ممن يرغبن, وإلا فان نصيبها من التكوين والاستفادة سيكون ضئيلا جدا إن لم نقل منعدم

وهذه الحالة تنطبق أساسا علي النساء داخل الحقل الإعلامي المستقل حيث يعتبر اللاتي يخدمن في مؤسسات عمومية أوفر حظا على الأقل فيما يخص وجود عقود عمل وتوفير رواتب مهما كان ضئيلة أما التكوين وتحسين الخبرة فغالبا ما يحتفظ بهما مدير المؤسسة لنفسه أو خاصيته.

  أما إذا تعلق الأمر بالبدائل فانه ليس بمقدورنا  إلا أن نقول : "ما بأيدينا خلقنا تعساء"

ولذا يتعين علينا أن نطرح مقترحات أو توصيات علها تجدي العاملات في هذا الميدان نفعا. و في هذا الصدد ارتأينا أن نختتم الورقة بالنقاط التالية :  

  • العمل علي وضع استراتيجيات تطرح في الحسبان أولوية العنصر النسائي ودوره في تكامل العملية التنموية.
  • إدماج المرأة في الحقل الإعلامي المستقل بأعداد كافية وهذا لن يتسنى إلا بخلق مؤسسات إعلامية خصوصية مهنية حقا و ذات طابع تنافسي,
  • إدماج الكادر النسوي في الدورات التكوينية المحلية والدولية.
  • العمل علي عدم التمييز الجنسي بين العاملين في المؤسسة الواحدة
  • العمل على وضع خطة تراعي الخصوصية الاجتماعية حيث تسيطر العادات أكثر من الدين وأكثر من المصالح.             

                                                                                                                                                                                                  زينب بنت الجد

 

تصنيف: 

دخول المستخدم