عاجل : إنقاذ الطبقة الوسطي من الموظفين العموميين!!

"من المتواتر الآن أن  الخارطة  المهنية لمنتسبي الوظيفة العمومية  تظهر توزيع الموظفين في كثير من القطاعات و الأسلاك المهنية بين جيل جديد تقل تجربته عن عشر سنوات يمثل 40% من مجموع المنتسبين و جيل قديم  يفصل بينه و بين التقاعد أقل من عشر سنوات يمثل قرابة 50% من عموم أفراد الوظيفة العمومية بينما لا يمثل الجيل الأوسط أو الطبقة الوسطي إلا أقل من 10%.!!"

تعتبر الوظيفة العمومية في كل بلدان العالم و بلدان العالم الثالث خصوصا "خَزًانَ الكفاءات" المؤهلة و المخصصة لقيادة الإدارة العمومية و تسيير شؤون الدولة، ذلك أن الطريق الشرعي و الوحيد للولوج إلي الوظيفة العمومية هو المسابقة التي تمكن الوظيفة العمومية من استقطاب و انتساب  خيرة  المَعْرُوضِ بسوق الشغل الوطني من مُخْرَجَاتِ الجامعات و المدارس الوطنية و الأجنبية.

و لم تَشُذً الوظيفة العمومية الموريتانية كثيرا عن التوصيف السابق رغم اختراقها  خلال العقدين الأخيرين من طرف بعض "المستوطنين" الذين تسللوا إليها  لِوَاذًا عبر منافذ "السياسوية" و "الانتخابوية" و "المحسوبية"؛ منهم من مثل انتسابه خَصْمًا كبيرا من "رأس المال المعنوي" للوظيفة العمومية  و منهم من شكل انتماؤه إضافة نوعية و عصرنة و تحديثا لأداء المرفق العمومي.

و تُعاني الوظيفة العمومية الموريتانية من العديد من معوقات النهوض من أبرزها "الرواتب تحت الكَفَافِيًةِ" المخصصة للموظفين و "تَثْلِيجُ"(la mise au frigo ( معايير الاستقامة و الأَلْمَعِيًةِ و الأقدمية في الترقية و الحظوة الإدارية مقابل تغول " المفاجآت المهنية" و "خَوَارِقِ العَادَةِ" و "الرَافِعَاتِ" السياسوية و الكليانية،.. ضف إلي ذلك خطر انهيار "الطبقة الوسطي" من الموظفين التي هي بمثابة العمود الفقري لجسم الوظيفة العمومية الذي يبدو اليوم كشبح برأس ضخم كبير و أطراف صغيرة من صَلْصَالٍ.!!

و تحريرا للمناط وتفسيرا للمصطلح و إحاطة بالمقصود فإنه يمكن تعريف الطبقة الوسطي من الموظفين بأنها:

"الموظفون العموميون المنتمون إلي سلكي (ب) ((Cycle B و (أ قصيرة) (Cycle A court) مهما كانت تجربتهم و الموظفون من سلك (أ طويلة)(Along   و الأسلاك الأخري المعادلة أو الأرفع من متوسطي التجربة المهنية    الذين يزيد عمرهم المهني علي عشر سنوات و يقل عن ست و عشرين سنة".

 و يمكن قياس أُفُولِ و انهيار الطبقة  الوسطي من الموظفين من خلال مساءلة المعيارين التاليين:- 

أولا:الاختلال الكبير في البناء الهرمي للوظيفة العمومية:- من البداهي أن البناء الهرمي للوظيفة العمومية يقضي بأن يكون عدد منتسبي الأسلاك الدنيا أكبر بأضعاف من منخرطي الأسلاك العليا بينما الملاحظ الآن و في كل القطاعات أن عدد المنتسبين لسلكي) و (أ قصيرة) المشكلين للطبقة الوسطي من الموظفين، يقل بكثير  عن عدد  المنخرطين في سلك (أ طويلة) و الأسلاك المعادلة أو الأرفع.!!

 آية ذلك أن عدد الإداريين الماليين مثلا أرفع من عدد المراقبين الماليين و عدد الأطباء الأخصائيين أعلي من عدد الأطباء العامين و عدد الإداريين المدنيين أكبر من عدد الإداريين المساعدين و عدد المستشارين الدبلوماسيين يفوق عدد الملحقين بالسلك الدبلوماسي و عدد مفتشي الضرائب و الخزينة ليس بأصغر من عدد المراقبين و لا الوكلاء من السلكين،...!!

ولقد أصاب أحد قدامي "الزمن الجميل" للإدارة العمومية حين لاحظ  بأن الإدارة بُدِلَتْ غير الإدارة و أن الأنظمة الإستثنائية  التي جَاسَتْ خلال الديار الموريتانية  عقودا من "الزمن الطويل"خَفًضَتْ كثيرا قيمة المرفق العمومي كما تُخَفِضُ قيمة العملة الوطنية مشبها  المرافق العمومية اليوم بالجيش المكسيكي"Armée Mexicaine/Mexican Army"الذي يفوق عدد جنرالاته و آمِرِيهِ عدد جنوده و مأموريه.!!

ثانيا:الهامشية العددية لمتوسطي التجربة المهنية من الموظفين: من المتواتر الآن أن  الخارطة  المهنية لمنتسبي الوظيفة العمومية  تظهر توزيع الموظفين في كثير من القطاعات و الأسلاك المهنية بين جيل جديد تقل تجربته عن عشر سنوات يمثل 40% من مجموع المنتسبين و جيل قديم  يفصل بينه و بين التقاعد أقل من عشر سنوات يمثل قرابة 50% من عموم أفراد الوظيفة العمومية بينما لا يمثل الجيل الأوسط أو الطبقة الوسطي إلا أقل من 10%.!!

و حيث أنه من المعلوم أن انهيار الطبقة الوسطي من الموظفين أَذَانٌ باختلال كبير سيؤدي في عاجل الآجال إلي شلل جسم الوظيفة العمومية و عجزه  فالرأي عندي أن تعهد الحكومة إلي القطاع المكلف بالوظيفة العمومية -ومن حسن الطالع أن فيه الأن  أقواما منهم من هو متقد إرادة و حزما و عزما و من هو  ممتلئ تجربة و تُؤَدَةً و فهما- بإجراء تدقيق للمنتسبين و الكفاءات بالوظيفة العمومية (Audit des Effectifs et des Compétences) يكاد يجمع كل العارفين بانه سيدق كامل أجراس الإنذار من أجل إنقاذ الطبقة الوسطي من الموظفين التي هي عِمَادُ المرافق و الأعمال الإدارية.

المختار ولد داهي،سفير سابق.

تصنيف: 

دخول المستخدم