بعد انتهاء فعاليات القمة "27" في نواكشوط وعودة الضيوف إلى بلدانهم ؛ يمكن القول ـ حقيقة لا مجازا ـ أن "قمة الأمل" كانت ناجحة بكل المقاييس ؛ رغم الاكراهات الاقتصادية والتحديات الأمنية وقصر الفترة الزمنية الممنوحة للتحضيرات ، رغم ذلك ورغم جهاد بعض المتشائمين داخليا وخارجيا واجتهادهم في محاولة إفشال هذه القمة -قمة الأمل- إعلاميا بالتسرع والإشاعة والتلفيق والتضليل وسيء القراءة والتفسير؛ .
لقد أثبتت بلادنا قدرتها الفائقة على التلاحم و التنظيم وتجاوز التحدي وكسب الرهان ؛ فكانت كل القضايا الهامة معروضة للنقاش والتفاوض بالأسلوب الجامع بما يقتضي ذلك من واقعية في جميع الملفات وحيادية في بعضها وقوة وصرامة في بعضها الآخر ..
لقد حضرت القضية الفلسطينية بقوة على اعتبارها قضية العرب الأولى وتم التأكيد على رمزيتها والثبات على دعم الشعب الفلسطيني في صموده ومرابطته ووقوفه بشجاعة في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم والآثم ، كما ظهر الموقف الوطني المشرف والمحايد من القضية السورية؛ وبدا التحسر واضحا على واقع الإخوة الأشقاء في ذلك البلد المحطم والمخرب بعدما كان مشيدا أيما تشييد ومعمرا أيما تعمير؛ وقدمت الدعوة في هذا المجال لبذل قصارى الجهود إسهاما في حل مشكلات سوريا وإنهاء مآسيها ، كما ظهر مستوى عال من الاهتمام حيال التعامل مع القضية العراقية ومعايشة الهموم الشعبية والرسمية ؛ نفس المستوى هو ما تم به التعامل مع القضية الليبية ؛ إذ تم توجيه رسالة واضحة المعالم من أجل مباشرة الآلية الضامنة لتجاوز المشكل وعودة الحياة إلى ما قبل عهد الحروب والفرقة والدمار هذا والتصدي لجماعات الإرهاب سبيلا إلى بناء الدولة من جديد، ما غاب الحديث عن اليمن بل كان حضوره قويا وعرضت قضيته مصحوبة بآمال كبيرة في تجاوز العقد وإنهاء الخلافات بالاستجابة السريعة لمنطق الحوار البناء والعمل الجاد إنهاء للأزمة ، تم الترحيب بالمصالحة الصومالية وعودة المؤسسات ، أعلن التضامن مع السودان في جهوده الجبارة لتعزيز السلام والتنمية وظهر، اهتمام كبير بمبادرة السودان الخاصة بالأمن الغذائي بوصفها ركيزة أساسية للأمن القومي الغذائي .
بالإضافة إلى ما سبق تميزت هذه القمة بإعلان الالتزام بانتهاج أنجع السبل العملية تصديا لمختلف التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي بتطوير آليات مكافحة الإرهاب أيا كانت صوره ونشر قيم السلام والوسطية.. وهي القيم التي حث الإسلام عليها ورسخها بتفضيله لأسلوب الحوار ودرء ثقافة التطرف ونبذ الغلو والنهي عن دعايات الفتنة وإثارة الكراهية ، وأعلن القادة عن رغبتهم في خلق بيئة تنبذ الغلو والتطرف من خلال العمل على ترسيخ الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان وتوسيع مشاركة المرأة والنهوض بالشباب وإرساء قيم التضامن والتكافل بين الدول العربية ودعم القدرات البشرية وإعطاء الأولوية للعمالة العربية ورعاية أهل العلم في الدول العربية .
لقد تم التأكيد في هذه القمة على وجوب صيانة الوحدة الثقافية والتشبث باللغة العربية الفصحى رمزا للهوية والعمل على ترقيتها وتطويرها وتم تأكيد السعي في سبيل تطوير منظومة العمل العربي المشترك وآلياته وتوسيع مضامينه والمطالبة بالإسراع في تنفيذ مشاريع التكامل العربي القائمة وتوسيع فرص الاستثمار والعمل على تنشيط التنمية المستدامة الصديقة للبيئة بتفعيل ورعاية الاقتصاد الأخضر.
في هذه القمة أشار القادة العرب إلى ضرورة دعم جهود الإغاثة العربية والدولية مساعدة لمتضرري الحروب والنزاعات ، كما جدد القادة العرب دعوتهم إلى إلزام إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي وإخضاع برامجها ومنشآتها للرقابة الدولية ، كما رحبوا بالمبادرة الفرنسية ؛ التي تدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام والتمهيد له بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية الاسرائيلية والتكفل بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها الدولية ، كما طالبوا بتخلي إسرائيل عن احتلال هضبة الجولان وكذا مزارع شبعا ، وشددوا على أهمية سبل التعاون والشراكة مع مختلف الدول الصاعدة والتكتلات والمنظمات الاقليمية والدولية في إطار المنتديات والأطر المؤسسية القائمة بين جامعة الدول العربية وهذه الأطراف والتشديد على بناء شراكة فاعلة تحقق مصالح الجميع .
إن قمة نواكشوط التي تميزت أيضا بأنها هي أول قمة عربية تعقد على أرض شنقيط -المنارة والرباط- أرض الشهامة والنخوة والكرم التي تعتبر حاضنة تقافية وتراثية هامة وبوابة عربية أساسية على إفريقيا .
إن شجاعة الرئيس وخوضه غمار تحدي استضافة قمة دولية بهذا الحجم و في هذا الظرف وبهذه المؤهلات لهو أهم المميزات المشهودة في هذه القمة خاصة بعد الانتهاء بهذا المستوى العالي والمشاد به من النجاح .
تميزت القمة أيضا بإصرار أمير الكويت على الحضور رغم الإجازة والظروف الصحية وضعف البنية الجسمية التي أثر فيها عامل السن بشكل كبير ؛ رغم ذلك كله حضر بحماس ووفاء للشناقطة قبل أي شيء آخر ؛ وسيبقى هذا التصرف الذي ينم عن شنشنة حب ووفاء لأهل و بلاد شنقيط طوق عز وعرفان يأسرنا جميعا وعامل انجذاب نحو احترام وتقدير قيادة وشعب *الكويت* .
صاحب هذه القمة مستوى عال من النضج في التعامل السياسي والحقوقي والإعلامي غالبا احتراما للحدث وسعيا في إنجاحه بتجنب التشويش والانتظار ربما حتى مرور سحابة القمة بخير وانكشاف الغيوم ورجوع السماء الوطنية صافية .
نجحت القمة العربية "قمة الأمل" بشكل كبير إعدادا وتنظيما. وسيظل ذكر بلادنا مقترنا بكل الأحداث والقضايا التي ستكون محل اهتمام من أي كان من الدول العربية.. وستكون سيدة الاجتماعات العربية طيلة قترة ترؤسها للجامعة العربية ؛ وسيبقى النجاح في ذلك يحسب للرئيس محمد ولد عبد العزيز ولحكومة المهندس يحي ولد حد أمين ولكل الشعب الموريتاني بمختلف أطيافه ومدنه وأريافه
تصنيف: