جلسة لن أنساها مع المرحوم د. محمد المختار ولد اباه. مرت الرحلة دون أن أشعر أنني قضيت معه خمس ساعات متواصلة ونحن في السماء. انتبهت أخيرا للأمر لما بدأت الطائرة تهبط وبدأ الطاقم يعطي المعلومات ويعيد تعليمات السلامة ويخبرنا بأننا فوق مطار الدار البيضاء.
وقبل ذلك، فما إن حلقت بنا الطائرة من نواكشوط، ومقعدي إلى جانب مقعده، حتى بادرته بالحديث لألقى صدرا رحبا؛ صاحبه وهبه الله قوة انصات قل من البشر من تتوفر لديهم. كان لي به سابق معرفة، وكنت على دراية من علمه الواسع: قرأت له بعض الأعمال وسمعت عنه الكثير. وكنت شغوفا ومتحمسا للاستماع له.
غير أنه خلال الساعات الخمس التي قضينا معا، تحولت شيئا فشيئا، دون أن أشعر، إلى المتحدث الرئيسي وهو إلى المستمع، المنصت الهادئ، ذي البسمة المريحة، المحفزة لمن يتحدث معه. كان يسألني عن الحياة والمسائل العسكرية ويفسح لي المجال كليا للكلام. وحتى فرنسا والادب الفرنسي والثقافة، والرياضة، وصوميما (شركة استغلال النحاس في اكجوجت)، وحياة البدو الموريتانيين، والطبخ، و، و، و...
فوجئت بأنه يهتم جيدا بما أقوله أيا كان الموضوع. فشعرت حينها بنوع من الاعتزاز بنفسي، ليس اطلاقا في محله.
بعد ذلك بفترة قليلة، التقيت بصديقه احمد باب ولد أحمد مسكه رحمة الله عليهما وكان أول اتصال بيني مع د. محمد المختار عن طريقه . وحدثته عن رحلتنا جوا من نواكشوط إلى الدار الببضاء وعما جرى فيها بيننا، وعن استغرابي لاهتمام صديقه بالاستماع إلي.
رد علي احمد باب مبتسما بان قوة استماعه وحسن معاشرته لا يضاهيها سوى شغفه بالمعرفة دون أن يظهر ذلك نظرا لتواضعه وبساطته.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: