هكذا كان أبي رحمه الله
"وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " صدق الله العظيم
إنه لمن دواعي الحزن والأسى أن ننعى والدنا بقلوب مسلمة بقضاء الله وقدره ونحمد الله ونشكره على مصابنا في الأب العطوف الحنون اللين الهين عبد الله بن باب الدين ونترحم على روحه الطاهرة سائلين الله له أعلى مراتب الفردوس "مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".
وما يعزينا في والدنا ويطمئن قلوبنا عليه أن روحه قبضت وهو يذكر الله ويوحده وفي نص الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه أن "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" ، فلما أحس بدنو أجله استقبل القبلة بوجهه وظل يذكر الله حتى هدأت روحه وخرجت إلى باريها دون صوت أو حركة ونحن نحسبه نائما كعادته كل ليلة.
ويأتي قول الله سبحانه وتعالي في الآية الكريمة : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى" ليكون أكبر عزاء في مصابنا الجلل لأننا نعلم وتشهد كل الناس على ما سعى له الوالد في دنياه لآخرته من التقى ومكارم الأخلاق ، إذ جمع الله له خصالا قل أن تجتمع لأحد فقد كان تقيا عابدا زاهدا حسن الخلق باسم الوجه لين الطباع كريم السجايا مضيافا سخيا شغلته آخرته عن دنياه لا يهمه منها إلا ما يعيل به أهله أو يقري به ضيفه.
لم يؤذ جارا ولم ينهر سائلا ولم يسأل ضيفا من أين أتى وماذا يريد تجتمع في بيته جميع الفئات وكل الأعمار والأسر والأفراد والأضداد والخصوم وكأننا دائما في وليمة ـ والحمد الله على ما خصنا الله به ـ لا يتذمر من طول مقام الضيف وإن سكن أعواما يظل معززا مكرما وكأنه قدم لتوه ، ومن غرائب أمره أن الخصوم تجتمع في مجلسه يراضي هذا ويجاريه ويلتفت إلى خصمه ويحدثه بما يجبر خاطره ولا يهمه ما هم فيه من شنآن وخلاف.
ومن خصاله الفريدة أيضا رحمه الله البر فقد كانت بارا لدرجة محيرة وليس بوالديه لأنه لم يدركهما بل بأخواته فكان لا يخاطب إحداهن إلا بالوادة يخدمها بنفسه ويأبى لنا أن نشاركه في ذلك حتى وحين أصبحت يداه ترتجفان لم يتركنا نعينه في خدمتهن بل ظل قائما على أمورهن إلى أن دفنهن رحم الله الجميع.
ونحن في مصابنا هذا نتقدم باسم أسرة أهل باب الدين بخالص الشكر والامتنان إلى كل المعزين الذي شاركونا أحزاننا بالدعم والمواساة والدعاء للوالد تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جنانه.
فقد كان وقوفهم معنا وتخفيفهم عنا وطأة الألم والحزن تعبير نبيل أسعد قلوبنا المصدومة المكلومة فجزى الله الكل عنا بأحسن جزائه سواء من تجشم عناء الحضور إلينا أو أولئك الذين اتصلوا وكانوا بقلوبهم حاضرين داعين متعاطفين فالجميع مأجور بإذن الله ورحم الله فقيدنا ونختم بقول الله سبحانه وتعالى "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" صدق الله العظيم.
د. مريم عبد الله باب الدين
تصنيف: