أثناء لقاء مع أحد الأصدقاء، تطرق هذا الأخير إلى "الأبعاد التراثية" لبعض الأغذية الموريتانية ك-"أتاي" و"العيش" و"كسكس"... واحتراما له ولملاحظاته الدقيقة وإثراء للنقاش (الرأي الآخر)، قررت الإبحار عكس التيار، مؤكدا، مثلا، أن "الكفيه ولد بوسيف" -رحمه الله- لم يقرض "تافليويت" واحدة تضم إشارة إلى طقوس "أتاي"، الشيء الذي يعني أن تاريخ دخول "أتاي" -بثلاثيته المحيِّرة و"جيماته" الملهمة- إلى هذه الربوع، يفصلنا عنه (فقط) حوالي قرن ونصف قرن. وحسب استطلاع للرأي (٢.١٥)، أقر ٦٤.٤٪ من مواطني هذا البلد أنهم يتناولون "أتاي" أكثر من ثلاث مرات يوميا... ورغم دمقرطة استهلاك هذا المشروب (الذي ظل لفترة حكرا على علية القوم) داخل المجتمع الموريتاني الحالي ورغم الثناء الأدبي المتنوع والمتميز الذي حظي به لدى الأجيال الأخيرة، لا زالت الأصداء الشفوية والمكتوبة للمقاومة التي واجهها هذا "التوغل الغذائي"، تتردد في بعض الأوساط الاجتماعية. لقد تزامن هذا "التوغل" مع بعض الأحداث المفصلية في تاريخ البلاد والمنطقة، الشيء الذي يطرح بدوره بعض التساؤلات المشروعة والمنطقية...
*
وبخصوص "العيش"، ذكرت صديقي بأن هذه الكلمة الفصيحة موجودة بلفظها-تقريبا- وبمعناها (طعام) في اللغة اللاتينية وبطبيعة الحال في اللغة الفرنسية التي اشتقت هي الأخرى "ثلاثيتها" الخاصة بها : "أش" و"أيش" و"عيش" (esche، èche، aiche) والتي تعني اليوم الطُّعم الذي يثبته صياد الأسماك على صنارة القصب...
رغم أرومته الطيبة، ضاق الصديق ذرعا بهكذا طرح، وفي حركة استباقية -قد تكون- دفاعا عن وجبته المفضلة، قال لي ممازحا : "زين، أراني افهمت أنك ما عاطبك آدواخ...".
عندها أعدت الكرة متسائلا : هل كان الأمير "الكفيه" سيتطرق في أدبه العذب إلى "أتاي" لو كان متداولا في فترته؟ وهل من الممكن تصور عمل فني ما ("اطلع" مثلا أو مسرحية أو رواية ) على لسان هذا الأمير-الأديب يتحدث فيه عن "أتاي" وبيئته، بدايةَ وصوله إلى هذه الأرض، أيامَ نُدرته؟...
لم تحل الفكرة للصديق، إذ عرج بزاوية تسعين درجة، نحو السياسة الوطنية التي شكلت "الأبعاد التراثية" لبعض الأغذية مجرد مشهيات قبل تناول مستجداتها...
تصنيف: