كانت ابنتي جارا تجلس إلى جانبي هي وصديقتان لها، راماتا وامباركه، نتابع معا البرنامج التلفزيوني. وجميعنا صامتون، لأن الفتيات تعلمن مدى حبي الشديد للأفلام الحيوانية وحرصي على الهدوء خلال متابعتها؛ وهن أيضا يجدن فيها متعة وتسلية.
لكن أياً منهن، لا ابنتي ولا رفيقتيها، لم تكن لتتخيلن أنني أتصور نفسي في تلك اللحظات بطل الفيلم الوثائقي ومؤلفَه: أغيِّر في السيناريو حسب ما تجود به قريحتي، أضيف له مشاهد واحذف أخرى، ألعب الأدوار الرئيسية التي ترمز إلى القوة، إلى السلطة، إلى النجاح...
كان تركيزي منصبا كليا على الشاشة، اتفاعل معها، أحاور وأُسيَر حيوانات ضارية تولدت في مخيلتي وغمرتها، دون أن افطن: رجعتْ بعد فرارها خوفا مني لتستسلم فورا لسلطتي وإرادتي، فلم أتردد في قبول بيعتها وأنا استمتع برؤيتها تلعق دم الأسد الذي قتلتُه منذ وقت قصير واخذتُ مكانه على رأس القطيع.
احلامي وأوهامي كانت فياضة-ما شاء الله! وانا أتابع الفيلم.
لكنها سوف تتوقف فجأة، لتحل الحيرة والارتباك مكانها دون سابق انذار، لمَّا سألتني جارا:
"بابا، بوصفك مولعا بالسياسة، وشغوفا بالأفلام الحيوانية، كيف تفسر أن عالم السياسة يشترك مع عالم البراري في صفة واحدة: يحكمهما قانون الغاب؟"
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: