في الأيام القليلة الماضية، اجرت أجهزة صحافية أجنبية، مرئية، مسموعة ومكتوبة، ثلاث مقابلات مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني. أولاها مع مجلة "جان افريك" (Jeune Afrique)؛ ومقابلة مع قناة "افرانس 24" الناطقة بالعربية، بينما المقابلة الثالثة بالفرنسية شاركت في اجرائها نفس القناة- الناطقة بالفرنسية- إلى جانب "ارْ افْ إي" (إذاعة فرنسا الدولية).
(انظر: France24: Interview avec le président Mohamed Cheikh Ghazouani)
ومن الملفت للانتباه كون الفوارق شديدة نسبيا بين هذه الأخيرة مع المقابلتين السابقتيْ الذكر، سواء من حيث استخدام الوقت وتنوع المواضيع المتناولة أومن حيث الأسلوب المتبع من طرف المحاورين.
(فرانس24: مقابلة خاصة مع الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني)
امتازت أسئلة "جان افريك" بالجدية؛ وكانت العفوية حاضرة في مقابلة "فرانس 24" العربية، حتى أن الصحافي المحاور دعا الرئيس غزواني إلى أن يكون تبادل الحديث بينهما كلعبة "بينغ بونغ"-حسب تعبيره؛ بينما لم تخل اسئلة زميليْه في القناة الناطقة بالفرنسية من مراوغات مبطنة.
وقد زاد وقت المقابلة الأخيرة على 17 دقيقة توزعت، على العموم، وبصورة غير متكافئة على أربع مواضيع: الوضع في تونس، الوضع الأمني في الساحل، سر نجاح موريتانيا في التعامل مع الإرهاب والملف القضائي للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
"اتركوهما تتكلمان، فهما عيناي..."
وقد نالت "قضية" محمد ولد عبد العزيز لوحدها ما يقارب ثمان دقائق، أي: 44% تقريبا من وقت المقابلة. وهذه نسبة عالية جدا مقارنة بالمواضيع الأخرى، وقد حصر فيها المحاوران ما اسمياه "الوضع الداخلي" في موريتانيا مع نبرة قد يتخيل المشاهد أحيانا من خلالها لونا من الاستفزاز المدفون في أسلوب الصحافييْن المحاوريْن. من ذلك على سبيل المثال سؤال يتعلق بعلاقة الرئيس غزواني مع سلفه ولد عبد العزيز، حيث قال الصحفي كريستوف بابوفيي من "ار افْ إي"، سائلا في شكل ملاحظة:
-"يبدو أنك تشعر بمرارة، بإحباط؟"
وقبل أن يجيب ولد الغزواني، خاطبه، الصحافي الفرنسي الثاني، داعما زميله على طريقة ماكرة:
-"عيناك تتكلمان عنك...".
فرد عليهما الرئيس غزواني، دون تريث، بأسلوب لطيف وساخر، فاجأهما فيما يبدو لكونه ينذر بقدرة عالية لدى صاحبه على التعاطي مع مراوغات الصحافة وطرقها الملتوية أو الخبيثة:
-"اتركوهما تتكلمان، فهما عيناي".
مواضيع هامة غابتْ...
ولا شك أن التركيز على "قضية" الرئيس السابق، رغم ما لها من اصداء واسعة داخل البلد واصداء لا يستهان بها خارجه، أدى إلى غياب ملفات ومواضيع أخرى هامة. منها على سبيل المثال: جائحة كوفيد 19، قانون مشروع " قانون الرموز الوطنية" الذي يشغل حيزا كبيرا من المشهد الإعلامي في البلد ومن الراي العام، برنامج "تعهداتي"، مدى تنفيذه وأثر جائحة كورونا على مساره، ملف المديونية الخارجية والغاؤها المطلوب، التحديات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، تحديات الأمن الحضري والشعور بعدم الأمن الذي انتشر مؤخرا في البلد بدرجة مقلقة، وخاصة في نواكشوط ونواذيبو...
وهذه المواضيع هي حقيقة لب اهتمامات المواطنين لما لها من أثر على حياتهم اليومية. ولهذا السبب فهي الشغل الشاغل لرئيس الجمهورية. فلماذا لا يركز عليها الصحافيان الفرنسيان خلال محاورتهما له؟
السبب بسيط: أولويات تلك الصحافة الأجنبية ليست بالضرورة هي أولويات الموريتانيين. هي تبحث عادة وتنبش عن الإثارة وما تتغذى عليه أو ما ينجم عنها من "القيل والقال" ومن تعميق للخلافات والصراعات بين الناس؛ أما نحن فإننا نريد البناء والجدوائية في صيانة وتوطيد اللحمة الوطنية.
البخاري محمد مؤمل ( اليعقوبي)
تصنيف: