خبرتي بصاحب الكتاب وهمومه كروائي تجعلني أتوق إلى معرفة ماذا يعني عندما يختار "صمت الآفاق" (Le silence des horizons) عنوانا لروايته الأخيرة؛ أيعيد المؤلف الكَرَّة كما عودنا في اعماله السابقة، حسب الكثير من القراء المتابعين له؟
وإن صدقت توقعاتي، فلعل امبارك ولد بيروك ينذرنا بأن الرؤية حُجِبت، ولم يَعدْ من سبيل لنظرة بعيدة المدى عندما تصمت الآفاق. قد توحي الاستعارة فعلا بالتغيرات السريعة والمتلاحقة التي نشهدها-نحن أبناء البدو وأهل الواحات-بعدما كنا نعيش أحرارا في الصحراء، نتنقل في فضاءات شاسعة، ونعيش ببساطة لا يقيد حركتنا شيء، تجول ابصارنا بعيدا، بعيدا، في أفق لا متناهي... ونستمتع، قانعين بما وهب الله لنا من فضله.
أما اليوم، فإن العصرنة والحياة في المدن غيرتا كل هذا؛ أصبحنا كالسجناء، محصورين في حيز ضيق: في البيت، في المكتب، في المعمل... احساساتنا ونظراتنا الطموحة مكبوتة تباعا، تتزاحم في مجالات محدودة.
تطفو عادة هذه المضامين والمواضيع على كتابات بيروك، وتجد أصداءً واسعة لدى القراء والنقاد، خاصة بين الغربيين والأجانب المولعين بالصحراء وحياة سكانها، وما يثيره السواح والباحثون، الغرباءُ على الوسط، حول نمط حياة البدو الرحل وبئتهم.
غير أن قراءة متأنية ومتفحصة بين السطور سوف تكشف لا محالة رسائل أدبية وفنية عميقة أخرى، ذات صبغة كونية، يحيل إليها الأسلوب الرمزي والشاعري المتميز عند الكاتب.
وأخيرا، يجب أن اعترف أنني لم اقرأ الكتاب بعدُ. فغوصي في الافتراضات والتأويلات الاستباقية بشأنه يتغذى على مقالات نُشرت حوله واطلعتُ على بعضها. كما أن حديثي عنه الآن يشكل من جهة أخرى حنينا واشتياقا لقراءته بسرعة، نظرا لما القى من متعة في كتابات امبارك ولد بيروك. وأنا على يقين أن " صمت الآفاق" لن يشذ عما ألِفتُ عند مؤلفه.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: