نسبية الحياة والعقود الماضية علمتني ان لا أغتر بشيء، وأن لا أراهن على أحد في هذا البلد.. دخلت الصحافة صبيا كنت رسول الجميع، يبعثني أحدهم لشراء علبة سجائر؛ وحين أجلس يقرر آخر إيفادي مرة أخرى في مهمة أبعد. أحيانا أسرق الشاي من خزنة أمي وأركض الى مقر الصحف حتى اذا طلب أحدهم شايا أحضرت اللازم بسرعة فتتولد الألفة. إذ جلهم مفلسون ويكتبون من أجسادهم.
كنت أخدم أسلافي في المهنة حتى انشر كلمات في صفحة بريد القراء.. عشقت المهنة وعشت بؤسها، وكنت أعجب تلقائيا بأشخاص يسمون ب"المعارضين" وأكره آخرين يسمون ب"الصفاگة"..بعد سنين لاحظت ان الصفاگة والمعارضين يتبادلون الأدوار.. بهت عقلي.. البائس المعارض عاد الينا بعد اسبوع بدراعة "يدوية" التطريز.. وخلفه " الصفاگ وقد ظهر لون شعره الحقيقي، إذ لم يعد يذهب الى الحلاق لتغيير لونه قتلا للزمن والعمر..
صفاگ الأمس يجلس معي وصديق الدرب علي ولد ماصة في "القلم" و "العلم" و"لاتريبين" ف"موريتاني نوفيل"..نتعاطى الشاي ونضحك ضحكة الفقراء؛ تلك الصافية التي لا تهدج فيها.. بعدها علمتني السنوات انني وولد ماصة محطة ضرورية للصاعدين والهابطين، لأننا نملك الكلمة.. ما من سياسي إلا وبكى أو ضحك أو أظهر خوفه ورجاءه أمامنا...
مهنة الصحافة جردتهم جميعا أمامي قبل أن يجردوها ويغتصبوها أمام العالم؛ ليولد صحافيون من تلك العلاقة الآثمة... علمتني تلك التجارب وصاغتني حتى زهدت في الذي يبتغون ويلهثون وراءه، لا تعففا مني، ولكن لأنه ينفد بسرعة. وأنا أحب الأشياء التي تظل...
ما عندكم ينفد وما عند الله باق.
----------------------------
* المصدر: من صفحة Mohamed Lemine Mahmoudi على الفيسبوك.
تصنيف: