خطاب الرئيس : كيف نؤسس للمجالس الجهوية ؟

تحظى الخطب السياسية الرسمية بأهمية قصوى في جميع دول العالم شماله وجنوبه؛نظرا لما تنطوي عليه من توجهات واهتمامات أصحابها مسؤولي تسيير الشأن العام ،إذ هي واجهة العمل الحكومي، وهي أيضا تعبير عن الأولويات المرسومة بصفتها المجردة.

 ومراعاة لهذا المعطى وتفاعلا مع خطاب رئيس البلاد المعلن في مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي يوم 03 مايو 2016 وتعليقا على جزئيته المرتبطة بالإعلان عن إنشاء مجالس جهوية، أرتأيت أن أسجل انطباعا ما حول تجسيد هذا التوجه بحكم الاختصاص والاهتمام بما قد يفيد في تنمية البلد.

1-  محددات أساسية

  •    المجال مفهوم متداول بقوة في أجندة التنمية الدولية والوطنية نظرا لفاعلية تجربة الاقتصاد المجالي كمرحلة وُسْطى بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي، وعلى هذا الأساس فالمجال أو " التراب" ليس مجرد فضاء جغرافي محايد وإنما هو نطاق ترابي بمُقَدّراته الإنسانية وخصائصه الثقافية وأنماط عيشِ الساكنة واهتماماتهم، مما جعل البعض من الباحثين يعتبره مقاولة للتسويق المحلي مهمة في مناهضة مفهوم الإدماج و التماهي المكرّس مع موجة العولمة.
  •        الجهوية بمفهومها الإداري التنموي إذن هي مجرد خيار لتنظيم التراب أو المجال أو "نظام" لإعادة توزيع الموارد والسلطة، ترتكز على التعدد والتنوع والتمايز في المستويات الترابية بدرجة أقل من الدولة وأكبر من البلديات؛ بما يؤهل لتصميم استراتيجيات تنموية متنوعة مع مراعاة خصوصيات كل جهة، وبما يسمح بتعايش مصالح ومطالب سائر الفئات الاجتماعية والوقوف أمام استئثار الجهاز المركزي بسياسة التنمية على حساب النطاقات الهامشية[1].
  •    التوجه نحو اعتماد مجالس جهوية بموريتانيا كقوة اقتراحية تمثيلية محلية بديلة عن الغرفة الثانية بمؤسسة البرلمان يُفهم منه إقرار وجيه بأهمية الإدارة المحلية في تكريس الديمقراطية، كما يوحي في الوقت نفسه بتحفظ قوي على دور مختلف الفعاليات المحلية القائمة بالبلد.

وفي جميع الأحوال فإن المجالس الجهوية – كفكرة سياسية وممارسة فعلية- من وجهة نظرنا تشكل حلقة مهمة في إدارتنا الترابية ظلت غائبة في ظل تركيز نظام إدارتنا الإقليمية منذو بداية التسعينات من القرن الماضي عندما سحبت منها الشخصية المعنوية.

2-  الطبيعة القانونية

من المفترض أن تشكل هذه المجالس  رافدا جديدا من روافد التنظيم الإداري اللامركزي في سياق الناداءات المتكررة رسمية وغير رسمية بضرورة تقوية السلطات الإدارية المحلية مراعاة لمطلب التنمية المجالية في "زمن المحليات" على حد تعبير بعض الباحثين[2].

ويقتضي ذلك بالضرورة تمكين هذه المجالس بالاستقلال الإداري والمالي بصفة فعلية تجسد اللامركزية بأبعادها الديمقراطية والتنموية والإقليمية[3]، وإلا فإن مجرد تشييد بُنَى إدارية وليدة لا يغني من الأمر شيئا.

ونرى أنه لا يمكن أن تعدو طبيعة هذه المجالس من منظور مقاربتنا المؤسسة على واقع الإدارة الترابية الوطنية وعلى التطبيقات المقارنة من اعتماد أحد السيناريوهات الآتية:

v مجلس جهوي قائم على مبدأ الانتخاب الكلي لجميع أعضائه وفق صيغتين تكامليتين:

  •    الصيغة الأولى: انتخاب مباشر حسب نظام الأغلبية المطلقة وعلى أساسه يتم اختيار ثلث أعضاء المجلس من بين ناخبي الدائرة الإدارية للجهة
  •    الصيغة الثانية: انتخاب غير مباشر حسب نظام التمثيل النسبي وعلى أساسه يتم اختيار الثلثين الباقيين كالتالي:
    • -   ثلث ينتخب من بين المجالس المحلية لمختلف البلديات الحضرية والريفية الواقعة ضمن الحيز الجغرافي للجهة؛
    • -   ثلث ينتخب من بين مختلف الرابطات والنقابات المندمجة في إطار المجتمع المدني و المسجلة محليا لدى السلطات بهذه الصفة.

على أن يتم تمثيل الإدارة الإقليمية في هذه المجالس في شخص الوالي أو أحد مساعديه خلال الاجتماعات التقريرية للمجلس في مجرد تنسيق العمل الإداري المحلي.

v   مجلس جهوي مختلط  يزاوج بين الانتخاب والتعيين؛ وذلك وفق الصيغة الآتية:

-   أعضاء بعدد الثلث يتم انتخابهم بصفة مباشرة حسب نظام الأغلبية المطلقة من بين جميع ناخبي الجهة؛

-   أعضاء بعدد الثلث يتم انتخابهم بأسلوب غير مباشر من بين هيئات المجتمع المدني المسجلة بنفس الدائرة؛

-   الأعضاء الباقون يتم تعيينهم باقتراح من وزير الداخلية واللامركزية وفق معايير الكفاءة والنزاهة والتجربة المهنية من بين الأسلاك الإدارية البينية،ولكن بشروط: 

-           - عدم قابليتهم للعزل مدة مأمورية المجلس؛

-         أن لا يكونوا في مناصب قيادية في حزب سياسي أو هيئة نقابية؛

-         أن لا ينتموا لنفس الجهة.

ومن نافلة القول التذكير بأن تطبيق نظام المجالس الجهوية أو التنظيم الجهوي يقتضي لزوما اتباع مسطرة التشريع أمام البرلمان لأن " التقطيع الإداري" وفق الصيغة المنتظرة من "مجال القانون" المحدد بالمادة 57 من الدستور[4].

وكما أشار إليه الإداري المرموق والباحث المورود محمد فال ولد عبد اللطيف بقوله: يدخل في مجال ذا القانون//// جميع ما يهم من شؤون.

إلى أن يقول:

نظام الانتخاب ذي التنويع//// وما للاقليم من التقطيع[5].

وهذا يعني إلزامية انتظار المراجعة الدستورية القاضية بإلغاء مجلس الشيوخ؛ إذن المجالس الجهوية لن تظهر حتى يختفي مجلس الشيوخ على خلاف قول الشاعر:

الوجه مثل الصبح مُبْيَض.... والشعر مثل الليل مسود

ضدان لما استجمعا حسنا......والضد يظهر حسنه الضد.

3-  الآليات الميدانية

إن تنزيل هذا التوجه على أرض الواقع تنزيلا سليما يتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات السابقة والمصاحبة،نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

§       القيام بدراسة معمقة للجوانب الفنية والتنظيمية الممهدة لبناء لهذه المجالس؛

§   تنصيب لجنة وطنية كبرى من ذوي الخبرة والاختصاص لبحث وتنقيح مقومات نجاح هذه التجربة غير المسبوقة؛ لا تخرج عن الإمكانات المتاحة للدولة، ولا تتجاهل في ذات الوقت خصوصيات المجال المحلي الموريتاني واحتياجات ساكنته وفق مبدأ الأوليات عبر الزمن؛

§       اعتماد تقارير اللجنة المذكورة في صياغة وإعداد النصوص القانونية ذات الارتباط؛

§       تحديد النطاقات الترابية للمجالس بناء على معايير التجانس والتكامل  خدمة للتنمية؛

§       رصد مقدرات مالية تغطي العمل الفني والميداني التمهيدي بصفة مريحة ودقيقة ومتأنية؛

§   تسخير جهد إعلامي رسمي لشرح مضامين وأبعاد الحدث، والتذكير بضرورة التفاعل الإيجابي في نجاحه؛

§   القيام بشكل موازي بالشروع في تشييد مباني إدارية لاحتضان الوحدات الجديدة، تكون ملكا للدولة وموحدة في  شكلها وجودتها؛

§   أيضا الشروع في إجراء تكوين إطار بشري قادر على مواكبة الحدث، من بين الشباب حملة الشهادات يهيئون لشغل الوظائف الإدارية التسييرية الداخلية للمجالس.

4-  الآمال التنموية

إن الانخراط في إنشاء مجالس للولايات مسألة يعول عليها كثيرا إعادة مقاربة الإدارة الترابية الوطنية من منظور حداثي يتجاوز الأفكار و الآليات التقليدية في التنظيم الإداري، ومعنى ذلك أننا بحاجة لوحدات ترابية قادرة على تقديم إطار فعال وسلس للنمو الاقتصادي والاجتماعي ينطلق من إدراك الحقائق المحلية[6].

وتفصيل ذلك كالتالي:

-         استكمال وتفعيل مختلف الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وماء.وزراعة؛

-   خلق فعاليات تجارية وخدماتية تنشط حياة الساكنة المحلية وتخفف من التزاحم على المركز......... .؛

-   إنشاء مراكز للاستثمار على المستوى المحلي تكون قبلة لإعادة انتشار رأس المال الوطني؛

-   تمكين السلطات المحلية بمختلف مستوياتها من إقامة عقود دولية لتقديم وتوريد الخدمات وفق أسلوب" التدبير المفوض".

وغيرها من الاهتمامات المنشودة.

المصدر : السراج الإخباري

[1] - د. إدريس جردان/ وظائف الجهات بين الشرعية والفعالية، مقال منشور بالمجلة الألكترونية للدراسات والأبحاث القانونية، الموجودة على الرابط:www.droiplus.ma

[2] - راجع تقديم د. سعيد جفري لمؤلّف زميلنا د.أحمد محمد السالك الداه: اللامركزية الإدارية ومطلب التنمية المحلية/ البلديات بموريتانيا – نموذجا-، دار القلم بالرباط، ط1،2014.

[3] - تراجع في ذلك أطروحتنا لنيل الدكتوراه في القانون العام، حول الإصلاح الإداري ومسألة التنمية بموريتانيا( التحديات والرهانات)، دراسة تحليلية، كلية الحقوق بطنجة، يونيو2014،ص: 39 و40.

[4] -  للاطلاع على تفصيل هذه المسألة راجع مقالنا: التقسيم الإداري الثلاثي الجديد لمنطقة نواكشوط ( الأسس-  الدوافع- الانعكاسات)، مجاز للنشر بمجلة" دراسات" الصادرة عن المركز الموريتاني للدراسات  والبحوث الإستراتيجية/ قيد الصدور.

[5] - جالب السرور بنظم الدستور لمحمد فال ولد عبد اللطيفـ تقديم الأستاذ محمدن ولد سيدي الملقب بدّن، ديسمبر 2014.

[6]  محمد الداودي: الجهوية الموسعة/ نموذج لتحقيق سوسيو- اقتصادية متوازنة بالمغرب، مقال منشور بالمجلة الألكترونية للدراسات والأبحاث القانونية،الموجودة على الرابط:www.droiplus.maf

تصنيف: 

دخول المستخدم