فيما يتعلق بالطبيعة يظهر من الأحوال أن الانقلاب كان مدنيا أساسا كما أسلفت، وكان انقلابا في غير مصلحة الموريتانيين؛ فما الذي أضاف مما هو إيجابي لموريتانيا؟ وما الذي أفسد على موريتانيا؟ هذه المسألة للإنصاف وللتاريخ، وهذا ما ينبغي أن ننظر من زاويته، ولا يوجد أي حساب شخصي بيني وبين أحد ممن ذكرت ولا من غيرهم.
أنا أرى أن الانقلاب ألغى تجربة 20 سنة من عمل مؤسسات بنيت بجهد جهيد، لأنه ببساطة حل تلك المؤسسات وألغى الدستور وأنشأ نظاما أحاديا؛ سواء أتولى الحكم الرئيس المصطفى أم تولاه الرئيس محمد خونا ولد هيداله، فهو نظام أحادي يفعل الفرد فيه ما يشاء!
ألغى السياسات الوطنية التي كانت قائمة أيضا وأعرض عن الشأن العام، وفي عهده وصلت هيبة الدولة وسمعتها إلى الحضيض، وكرس روح الانهزام في الجيش. هل تعلم أن البوليزاريو آن ذاك هجمت علينا في تشلة وارتكبت مذبحة أودت بحياة الكثير من الناس، وأسرت العديد؟ فماذا كان ردنا؟ رددنا بتلبية مطالبها!
وجه الانقلاب أيضا أداة القمع إلى القوى الحية كالشباب، وأعلى من شأن فئات المجتمع التقليدي أو القوى غير الحية في البلاد، والحثالة كلجان التطوع والهياكل. أعطيك مثالا بسيطا: المجلس الاستشاري الذي أنشئ تألف من 98 عضوا ليست فيهم امرأة واحدة! حزب الشعب كانت لديه منظمة نسائية متطورة، وكان للنساء حضور قوي في مختلف الحركات الوطنية فغيبن بعد الانقلاب.
مثلا في الكادحين كانت مريم بنت لحويج والسالكه بنت اسنيد ونانسي اعبيد الرحمن وفاطمة بنت عابدين وبنات لبات والناجيه وحاجه.. إلخ، وفي الحركة البعثية كانت الناجية وخديجة بنتا أحمد وغيرها.
لديك أيضا فيفي بنت افيجي وعائشة كان وغيرهما. كان في الساحة الكثير من الناشطات اللواتي لهن دور نافذ بينما خلا المجلس الاستشاري من النساء بالمطلق، وبالمقابل عين فيه الكثير من الرموز التقليدية وضم شابا أو اثنين.
هذا مثال على رجعية الأفكار وما إلى ذلك.
لحسن: فيما يتعلق بما وصفتموه برجعية أفكار الانقلابيين.. أليس في هذه العبارة نوع من التحامل على فئة تصف نفسها بأنها أنقذت موريتانيا من ضياع كان محققا خلال الفترة الأخيرة للرئيس المختار ولد داداه، حينما بدأت الأمور تخرج عن السيطرة جراء حرب الصحراء؟
ذ. إشدو: هذا سؤال وجيه، وسبق أن أعربت عن وجهة نظري فيه. لم تصل الأمور في عهد الرئيس المختار ولد داداه إلى هذه المرحلة بحيث يكون إما انقلاب وإما هلاك.. وذكرت لك أن محاولات كانت تجري بهدف تسويةٍ تُجنب البلاد الحرب وتجنبها الانقلاب أيضا. وقلت إن الانقلاب لو كان جاء بهدف الخروج من الحرب على نحو كريم ولم يدر ظهره للمسار الذي كانت البلاد تنتهجه لما قلت إنه رجعي، لكن الحديث عن الانقلاب الذي جرى تمثل في الأمور التي ذكرت لك. وكان الانقلاب هو الضياع والتيه بعينه.
ردة ونكوص
أولا من قاده؟ وهذا ما ينبغي النظر إليه! لم تقده فئة شبابية حية من البلاد، وإنما قاده يمين الفئة التي كانت تحكم البلاد؛ وهذا بالضبط ما يقوله بيان السادس من إبريل وإن كنت سأصل إلى السادس من إبريل.
ورد في البيان الأول للجنة الخلاص الوطني الصادر يوم 6 إبريل 1979 ما يلي: "إن القوات المسلحة التي تحدوها مثل عليا، والتي تؤمن بوطنية كل المواطنين قد ارتكبت – وللأسف- خطأ مقاسمة السلطة - إن لم يكن الأمر يعني أكثر من المقاسمة- مع سياسيين قدماء ومع شبان خياليين"؟
لحسن: معنى هذا أن قوة يمينية مدنية هي التي كانت وراء انقلاب العاشر من يوليو؟
ذ. إشدو: نعم. والسياسات التي خاضتها ودعت إليها هي سياسات يمينية رجعية، وأعطيتكم مثالا على ذلك مجلسا يضم 98 عضوا خلا من أي تمثيل للمرأة! ومثالا آخر هو أن الذين أمسكوا بالسلطة وتقدموا في الإدارة وتسيير الشأن العام لم يكونوا من الفئة الحية، ولا الفئة الأكثر نزاهة ولا التزاما.. بل العكس! فالذين أصبحوا محل اعتماد اللجنة العسكرية للإنقاذ – وحتى الخلاص فيما بعد- هم القوى التقليدية والحثالة كما قلت.. فالذين ينشطون في لجان التطوع والهياكل ويوجهونها قد لا يوجد فيهم من يستطيع كتابة اسمه! هذا للتمثيل.
لحسن: نصل إلى ما يتعلق بحادث طائرة الرئيس أحمد ولد بسيف. تحدثتم عن هذه الحادثة ووصفتموها بأنها كانت بفعل فاعل.
ذ. إشدو: قبل أن أجيبك على هذا السؤال الملح أود تأكيد ما سبق أن قلته من أن حرمة الشيء العام وحرمة الدومين العام كرس انتهاكهما مع العاشر من يوليو.
لحسن: مثل ماذا؟
ذ. إشدو: مثل كون المال العام أصبح نهبا مقسما وغنيمة مشاعة بين من شاء الأخذ منها، ومثل "الگزره" التي عمت بعد أن لم تكن موجودة وما زالت شائعة إلى الآن، ومثل ما فصلته من الجمع بين الأختين (السلطة والمال) الذي كان المختار ولد داداه يتصدى له بحزم، فبعده حطم الجدار الحاجز بينهما فأصبحت أبواب المال مفتوحة أمام من هم في السلطة، وصار بالإمكان مقايضة المنصب أيضا؛ وما زال بعض هذا إلى اليوم رغم محاربته الآن؛ فـ"سارق البيت يغلب كم من عساس" (حارس) كما يقول المثل.
أنت حين تصبح في المنصب بإمكانك مقايضته بالمال. بعض المؤسسات كانت تستثمر مائة مليون في شراء البضاعة وبيعها لتربح مليونين إلى عشرة ملايين، لكنها لم تعد تفعل ذلك! فبإمكانها بالمائة مليون شراء خمسة موظفين نافذين يمنحونها الصفقات وكل ما يدر عليها الربح، ولا حاجة بها إلى توظيف المال! بدأ هذا من تاريخ الانقلاب.
تصنيف: