تعرف السياسة بأنها "فن الممكن". قد يكون ذلك بإعلان الولاء للحاكم وقد يكون عبر عصيانه، حسب ما يمليه ميزان القوى الظرفي. فهي إذا فن ومجال المتغيرات بامتياز.. بينما الإسلام على عكسها تماما: ثابت انزل الله به وحيا { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
ولما يمتهن السياسة العارفون بهذا التنزيل المحكم والحاملون رايته ؛ وحين يقومون بتوظيف معارفهم الدينية الواسعة في سبيل تكتيكات ظرفية وحسابات دنيوية متغيرة، فلن يكون من المستحيل أن تصدر عنهم مواقف وقرارات مثيرة للتساؤل والحيرة.. ومريبة.
الصور والفيديو التالية من أشنع المظاهر الناجمة عن هذا النوع من التعامل الانتهازي الذي يجعل من دين الله عز وجل آلة لخدمة مصالح سياسية ظرفية.
فرغم أنه مضت عليها سنوات عديدة، إلا أن طبيعة "الفتوى" الصادرة هنا تنذر بخطر ما زال قائما في عالمنا الإسلامي و العربي.. بل إن خطورتها تحتل الصدارة اليوم وستظل كذلك لفترة ليست بقصيرة.
الخلط بين الفتوى الشرعية وبين توظيف الدين كأداة يستخدمها العارفون به لصالح نزواتهم السياسية وفقا لاستراتيجيات احزابهم ومنظماتهم أمر مريب. وهذا ما فعله الشيخ القرضاوي هنا خدمة لحركة الإخوان المسلمين خلال ركوبهم مطية "الربيع العربي". الشيخ كان يتردد على معمر القذافي رحمه الله ويعانقه حين كان هذا الأخير في موقف قوة.. ثم أفتى بعد ذلك وأمر بقتله لما أحس أن ميزان القوى لم يعد في كفة الزعيم الليبي.
حسابات مماثلة تقوم على نفس المنهج التكتيكي شاهدناها في موريتانيا عام 2011، حين رفع حزب تواصل وحلفاؤه شعار "ارحل" وبارك فقهاء الحزب محاولته استنساخ "الربيع العربي" ظانين آنذاك أن الوقت قد حان لتغيير ميزان القوى لصالح حركة عصيان يقودونها في البلد. بينما كانوا قبل ذلك يحملون شعار "النصح"، بعيدا عن ما سيصفونه لاحقا ب"النطح". وزعاماتهم الروحية كانت تتباهى هي الأخرى بحسن "علاقتها الوثيقة" برئيس الجمهورية. أو على الاصح هكذا حاولت أن يحتسب الناس أن اعلى مستوى في الدولة يثق بها.
وبدورها استغلت الدولة على طريقتها ذلك التباين - أي الكر والفر- في مواقف تلك الزعامات الروحية. ففي فترة "النصح" تلقاهم النظام بآذان صاغية من ابرز معالمها زيارة الشيخ القرضاوي لموريتانيا في شهر مايو 2010 واستقباله آنذاك - مرفوقا بصديقه ونده الموريتاني الشيخ محمد الحسن ولد الددو - من طرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز. وفي فترة "النطح" تصدت السلطات بحزم وفعالية لمحاولة تواصل وحلافئه استيراد "الربيع العربي" إلى البلاد بغية تجييش الشارع والوصول إلى السلطة بطرق غير دستورية.
وفي إطار مواجهة الدولة لاستراتيجية "النطح" في شكلها المموه أو"الناعم"، يندرج اليوم اغلاق مؤسسات تجارية وتعليمية متهمة بكونها تابعة لحركة الإخوان المسلمين في موريتانيا؛ حيث تعتبر الدولة أنها بمثابة غطاء غير شرعي لنشاطات مالية وسياسية مشبوهة.
إلا أن تواصل يعلن ويكرر أنه لا علاقة له بتلك المؤسسات. غير أن مؤشرات عديدة - على رأسها شدة اندفاعه السياسي في الدقاع عنها بدرجة لا مثيل لها- قد يفهم منها المتتبعون لشؤون الإخوان وللسياسة في البلد عكس ذلك.
البخاري محمد مؤمل
تصنيف: