تؤكد مصادر اعلامية دولية موثوقة تم نشرها عام 2013، أن الفنانة الموريتانية الشهيرة والسياسية المثيرة للجدل السيدة المعلومة بنت الميداح، دعت إلى تغيير النشيد الوطني القديم منذ 5 سنوات على الأقل. من المثير للانتباه أن المعلزمة وقفت مؤخرا ضد تغيير النشيد الوطني.
وفيما يلي النص الكامل لتلك المقابلة التي نشرها موقع " DV عربية " الألماني:
الفنانة الموريتانية منت الميداح تثير جدلا حول النشيد الوطني
الفنانة المعلومة منت الميداح ليست فنانة فحسب، وإنما تعتبر وجها بارزا في الساحة الثقافية والسياسية الموريتانية. وقد تعرضت بسبب مواقفها السياسية إلى حصار دام سنوات في عهد نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.
يثير حديث الفنانة الموريتانية المعلومة منت الميداح جدلا اليوم في الساحة الموريتانية. فقد طالبت منت المداح، وهي عضو في مجلس الشيوخ، بإعادة النظر في النشيد الوطني الحالي للبلاد واستبداله بنشيد يتلاءم، حسب رأيها، مع الروح الوطنية وقيم الدفاع عن الوطن. DW عربية تحدثت مع الفنانة الكبيرة عن موقفها من الجدل الذي أثاره رأيها وعن قضايا المرأة الموريتانية.
DW عربية: يدور الحديث حاليا في الساحة الموريتانية حول موقفك من كلمات ولحن النشيد الوطني الموريتاني، هل يعود موقفك لدوافع سياسية أم اجتماعية؟
المعلومة منت الميداح: في الحقيقة أنا لم أطلق دعوة بتغيير كلمات النشيد الوطني. موقفي من كلمات النشيد ينطلق فقط من خلفية ثقافية، لأن الشعوب لا بد أن يكون لديها أشياء سامية ومقدسة ومتفق عليها كالنشيد الوطني والتشبث بالوحدة الوطنية. والنشيدالوطني بصفة خاصة لابد له أن يعكس نوعا من السمو والحماس والمجد الذي يرفع الشعوب من الخمول إلى القمة.
وبخصوص النشيد الوطنى الموريتاني بصفة خاصة يجب أن يكون لحنه مترجما للمعنى الذي يتساوق مع القيم السالفة. لكن أؤكد من جهة أخرى أنه يتوجب على المتابعين أن يفهموا أن حديثي عن ضرورة تغيير كلمات النشيد الوطني لايعنى بالضرورة أنني انتقد الكلمات الحالية لنشيدنا من حيث المبدأ، ولكنني أقول بأن الكلمات الحالية لا علاقة لها بالحياة الدنيوية، فصاحب تلك الكلمات الولى الصالح بابا ولد الشيخ سيديا لم يقلها من أجل أن تكون صالحة لنشيد قومي بل إنه قالها في سياق آخر هدفه الفوز بالحياة الأخروية ونقد بعض الجهات الدينية آنذاك.
وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع النشيد الوطني الذي ينبغي أن يدعو للتشبث بالحياة من أجل الحث على الرفعة والمجد والفخر للوطن، ولذا فإنه لامكان للحديث هنا عن كلمات تتحدث عن الموت إلا من زاوية الموت والتضحية من أجل بناء الوطن والدفاع عنه.
أما الفنان الكبير سيداتى ولد آبه، الذي لحن كلمات النشيد فأحترمه جدا باعتباره قامة فنية كبيرة، ولكن الدولة لم تعتمد كلمات بابا ولد الشيخ سيديا التي لحنها الفنان سيداتى ولد أبه بل اعتمدت سيمفونيات من غير كلمات. وأنا في النهاية أدرك جيدا أن اللحن الحالي للنشيد الوطني أصبح جزءا من ذاكرة الشعب الموريتاني ويصعب تغييره بسرعة ولكن هذه المسألة يجب الحديث عنها الآن.
هذا الموقف من النشيد الوطني أدى إلى ظهور بعض ردود الفعل المعارضة، ما هو تقويمك لذلك؟
أي موقف غير تقليدي أو متداول على نطاق واسع يثير بعض ردود الفعل، لكنني أنبه إلى ملاحظة بسيطة وهي أن ولد الشيخ سيديا لم يقل تلك الكلمات لكي تصبح نشيدا وطنيا، لأن الدولة الوطنية لم تكن قد ولدت بعد حتى تكون بحاجة لنشيد خاص بها. ولو كان بابا ولد الشيخ سيديا يريد تلك الكلمات للتلحين والغناء لما ضمنها عبارات مقتبسة من القرءان الكريم.
وأنا شخصيا أرى أنه لو كان غالبية من ينتقدون هذا الطرح على مستوى يمكنهم من فهم المعايير الفنية والثقافية التي على أساسها يتم اختيار كلمات النشيد لكان لهم موقف آخر، لكنني رغم كل ذلك أحترم كل وجهات النظر لأن موقفي شخصيا مجرد وجهة نظر وكل إنسان يمتلك حرية النقد،لكن إثارة مثل هذه القضايا هي التي تؤدي في النهاية إلى إحداث التغيير الاجتماعي والثقافي.
لكن هل يمكن فهم هذه الدعوة من طرفك في إطار ثورة ضد الأفكار المحافظ ةوم امضمون تلك الدعوة بشكل عام؟
إنا بطبعي تحررية في العديد من المواقف وهي قناعة تبنيتها منذ سنوات الطفولة. والسبب هو معايشتي لبعض فترات المد الثوري اليساري في موريتانيا نهاية السبعينات، والذي حمل لواءه حزب الكادحين حينها. ولهذا تشبعت منذ صغري بأفكار تحررية ضد العبودية وتهميش المرأة وضد انتهاك حقوق الإنسان بشكل عام. وقد حاولت منذ تجاربي الفنية الأولى أن أعبر عن تلك التوجهات من خلال الموسيقى، فكانت أول ثورة قمت بها هي البحث عن خطاب جديد في عالم الموسيقى يثور على القوالب التقليدية ويكسر التابوهات والمحرمات التي لايتقبلها المجتمع التقليدي وفي نفس الوقت موائمة كل ذلك مع القيم الإيجابية والأخلاق الحميدة التي لاتتنافى مع التعاليم الصحيحة للدين الإسلامي ورفض كل تعاليم دينية دخيلة.
آنذاك كان الدين خاليا من الشوائب الراهنة، لأن الناس كانت تفهمهكدين تعايش يحترم الآخرين ويقدر المرأة ويسمح لها بالغناء ويتيح للرجل أن يرقص لو شاء وكان الناس يبحثون عن الأشياء التي يمكن من خلالها أن يعيشوا حياة أفضل، وهذا كله مصحوبا بالالتزام الأخلاقي.
أنا شخصيا متمسكة بهذه القيم وأرفض كل الأقاويل التي تجنت على الدين وتمت صياغتها لإهانة وإذلال البشر باسم الدين مثل مقولة إن "جنة العبد تحت أقدام سيده"، فهذه المقولات لاعلاقة لها بالدين البتة.لكنني تعودت على رفع راية النضال بشكل علني معتقدة أن جميع الأشياء التي لاتخدم البشرية يجب رفضها.
رغم مرور عدة سنوات على إطلاق مبادرات تحرير المرأة في موريتانيا، هل ترين بأنها مازالت حبيسة التقاليد؟
أعتقد أن واقع المرأة في موريتانيا يختلف تبعا للفئات الاجتماعية والثقافات المحلية، فالمجتمع ذي الخلفية العربية - البربرية يعاملها بطريقة تختلف عن المجتمع ذي الثقافة الإفريقية المحلية. المرأة العربية البربرية أقوى سطوة وترفض تعدد الزوجات من حيث المبدأ وتمتلك سلطات كبيرة في المجتمع وداخل الأسرة ولا تتعرض للإهانة على يد الرجل إلا في الحالات الاستثنائية جدا، عكس المرأة في الثقافة الإفريقية المحلية التي تعاني نفس معاناة المرأة في بعض الدول العربية كالضرب وانتزاع بعض حقوقها وإرضاخها لنظام تعدد الزوجات.
وانطلاقا من ذلك فإنني أرى بأن هناك نوعا من التعميم وخلط الأوراق في تقييم واقع المرأة في موريتانيا. لكن هذا لا ينفي أن المرأة العربية الموريتانية لديها معاناة من نوع آخر، فكونها ترفض تعدد الزوجات جعل الرجال يقدمون على الطلاق بكل بساطة ودون منح المطلقة أي حقوق لتواجه مصيرها رفقة أطفالها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم ظاهرة الطلاق في المجتمع العربي بموريتانيا بشكل مهول خلال العشرية الأخيرة.
ويمكن اعتبار الطلاق نوعا من رد الفعل الذي يقوم به الرجال تجاه رفض المرأة للتعدد فجاءت النتيجة السلبية مضاعفة جدا، بينما المرأة الإفريقية تقبل بالتعدد ولكنها تتذوق أيضا أصنافا كثيرة من الإهانة تصل أحيانا إلى حد السخرة.
وأنا في النهاية اختلف مع بعض دعوات الحقوقيين الذين يطالبون بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، فأنا أدعوا لمعاملةالمرأة كإمرة وليس كرجل. بمعنى أنني أطالب بوضع المرأة في سياقها الطبيعي وهو ما يعنى معاملتها انطلاقا مما تتيحه لها ملكتها وخصائصها الفسيولوجية.
أنت عضو في مجلس الشيوخ عن حزب سياسي ولديك مواقف سياسية معروفة، ألاتعتقدين أن دخول الفنان على خط السياسة مباشرة يمكن أنيكلفه شعبيته؟
أنا شخصيا أرى بأن الفنان كأي إنسان له رؤية وفكر يجب أن يسعى للدفاع عنهما وإذا كان هدفه سامياسينعكس ذلك على المجتمع وإذا كان فاسدا فإن الجمهور كفيل بمعاقبته. وإذا كان يوجد في الساحة الموريتانية من يرفض دخولي للسياسة فإن ذلك ليس خوفا على مصلحتي ومستقبلي الفني وإنما بدوافع تمييزية بحته لبعض من يستكثرون عليّ الاهتمام بالشأن العام.
وما دفعني خلال السنوات الماضية لممارسة السياسة هو شعوري بأن الفنان له رؤية خاصة لا يقدر غيره على التعبير عنها، ولهذا لم يكن أمامي سوى المنابر السياسية لإيصال صوتي كي أقول للعالم "ها أنذا وهذا فني". ولهذا أوصلت صوتي الفني عبر منبر السياسة إلى المسكين والمحروم في الأحياء الشعبية رغم سنوات الحصار التي تعرضت بسبب نقدي للأخطاء التي جعلت رجال الحكم غير قادرين على تحقيق الإصلاح.
أجرى الحوار جمال مصطفى عمر - نواكشوط
المصدر: اضغط هنا
تصنيف: