كانت منطقة أزواد في شمال مالي، بوابة لعشرات من الشباب الموريتانيين إلى معسكرات "الجماعات الجهادية" في المنطقة، وفي مقدمتها "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، التي أصبحت لاحقا تعرف باسم "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، لكن عددا كبيرا من هؤلاء الشباب عبروا الحدود من شمال مالي باتجاه الجزائر والنيجر وليبيا، فقتل بعضهم، ووقع عدد منهم في قبضة جيوش تلك البلدان وقواتها الأمنية، ومن بين هؤلاء بعض القادة والمنظرين والشرعيين، المعروفين في التنظيم.
ففي الجزائر يوجد ثلاثة من أبرز منظري وشرعيي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ، من الموريتانيين، معتقلون في السجون هناك، ويتعلق الأمر بكل من:
1 ـ سيدي محمد ولد حمادي، المكنى "صهيب أبو يحي الشنقيطي"، وهو شاب ينحدر من وسط البلاد، (ولايتي تكانت ولعصابة) التحق مبكرا بالجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، بعد وصول رسل أمير المنطقة الخامسة في الجماعة "عبد الرزاق البار" إلى موريتانيا أواخر عام 2003، عشية استقراره في شمال مالي، وكان من رفاق "ولد حمادي" في رحلة الالتحاق بمعسكرات "الجماعة"، أحمدو بمب ولد باب، المكنى "أبو محمد الجكني"، وهو مهندس ميكانيكي درس في الأردن، وقد توفي متأثرا بإصابته في هجوم لمغيطي الذي نفذته الجماعة السلفية ضد وحدة من الجيش الموريتاني في شمال البلاد، بداية شهر يونيو عام 2005 ، إضافة إلى محمدو ولد مقام المكنى "أبو خيثمة الشنقيطي"، الذي قاتل في العراق إلى جانب أبي مصعب الزرقاوي، قبل أن يعود إلى البلاد، ويلتحق بالجماعة السلفية في الجزائر، وقد قتل في مواجهات مع الأمن التونسي أواخر عام 2006.
أمضى "سيدي محمد ولد حمادي" أو "الشيخ أبو يحيى الشنقيطي" كما يكنيه رفاقه، معظم تجربته "الجهادية" مع "الجماعة" في عمق الأراضي الجزائرية، وأصبح أحد أكبر منظريها وشرعييها، وعضوا في لجنتها الشرعية، حيث أصدر العديد من المؤلفات منها: "سلسلة الشام بين تضحيات الكرام وتربص الحاقدين اللئام"، ورسالة تحت عنوان "لا يسلم بن حرة زميله"، ورسالة تحت عنوان "رفع الملام عن مجاهدي مغرب الإسلام"، وبعض الرسائل الأخرى عن علماء موريتانيين وجزائريين من أمثال الشيخ محمد المامي، والشيخ عثمان بن فودي، وعبد الحميد بن باديس، كما أن له سلسلة من التسجيلات المرئية تحت عنوان "قل آمنت بالله ثم استقم".
اعتقل "ولد حمادي" في ضواحي العاصمة الجزائر، أثناء وجوده في ما يعرف ب "المنطقة الثانية"، أو منطقة الوسط، وفقا للتوزيع الإداري لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وما يزال حتى الآن محتجزا في أحد السجون الجزائرية.
2ـ إبراهيم ولد محمد ولد عبد البركة، المكنى "أبو أنس الشنقيطي"، ويعرف أيضا بلقب "عبد الرحمن التندغي"، وهو من مواليد سبعينيات القرن الماضي في منطقة تكنت جنوب ولاية ترارزة، التحق بمعاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال في شمال مالي ما بين أواخر عامي 2005 و 2006، حيث تقلد هناك منصب قاضي إمارة الصحراء الكبرى، وأصبح عضوا في مجلس شورى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" حاليا، ويعد من المنظرين الشرعيين للتنظيم، له العديد من الرسائل العلمية والتسجيلات المرئية والمسموعة، اعتقل في الجزائر نهاية عام 2010، في ولاية باتنة بالشرق الجزائري، أثناء أدائه لمهمة كلفته بها قيادة التنظيم هناك، وصدر عليه حكم بالسجن النافذ عشر سنوات.
3ـ عبد الله ولد احمد ولد عنجيه الأدهسي، المكنى "صلاح أبو الأرقم الشنقيطي"، وينحدر من ولاية لبراكنة، التحق بمعسكرات الجماعة السلفية للدعوة والقتال في شمال مالي منتصف العقد الماضي، وتنقل منها إلى الجزائر ، وكان أحد أبز شعراء التنظيم، له قصائد عديدة من أشهرها: رسالة إلى القاعدين يقول في مطلعها:
أيا من حرت في الليل البهيم
وصرت من الغرابة كاليتيم
وله قصيدة أخرى يرثي فيها بعض رفاقه، يقول في مطلعها:
أرقتُ لبرق بالتودد غردا *** وهاج سناهُ القلبَ والعينَ واليدا
اعتقل عبد الله نهاية عام 2010 في ولاية باتنة الجزائرية مع قاضي الصحراء "أبو أنس الشنقيطي" وصدر بحقه حكم بالسجن النافذ عشر سنوات.
أما في ليبيا فيوجد شاب موريتاني يدعى نور الدين المكنى "أبو عبد الصمد"، ويلقب أيضا ب"المقداد الشنقيطي"، رهن الاعتقال منذ أزيد من عام ونيف، حيث تحتجزه كتيبة "قوة الردع الخاصة" في سجن معيتيقه بالعاصمة طرابلس، وكان نورد الدين قد نشط في جماعة الدعوة والتبليغ في موريتانيا، قبل أن يعتنق الفكر السلفي الجهادي، ويلتحق مبكرا بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، في شمال مالي، رفقة مجموعة من الشباب الموريتانيين من بينهم سيدي محمد ولد حماد، وعثمان خراشي صال الذي قتل في مدينة كيدال نهاية شهر مارس عام 2012، وعرف في المعسكرات بتمسكه بنهج فكر جماعة الدعوة والتبليغ، حتى أصبح يعرف في أوساطهم باسم "التبليغي"، التحق بداية بكتيبة طارق بن زياد تحت قيادة عبد الحميد أبو زيد، ثم تنقل بين الكتائب والسرايا.
وبعد الثورة الليبية، غادر نور الدين شمال مالي متوجها إلى ليبيا مع بعض الموريتانيين، حيث اعتزل الجماعات المسلحة هنالك، وقرر الإقامة في مدينة صبراته الليبية، مع زوجتيه التونسيتين، وولديه، (له ولد من كل زوجة) وكان يمارس الرقية الشرعية هناك ويعيش منها، قبل أن تداهم وحدة من "قوة الردع الخاصة" مقر إقامته في فبراير عام 2016 وتعتقله، وما يزال حتى الآن محتجزا لديه
تصنيف: