عبر الاستاذ محمدٌ ولد إشدو عن دعمه القوي للرئيس محمد ولد عبد العزيز وللتعديلات الدستورية التي ستطرح للاستفتاء الشعبي يوم 5 أغسطس المقبل؛ لكنه في نفس الوقت افصح عن خلافه العميق مع بعض المدافعين البارزين عن هذه التعديلات ـ دون ان يذكرهم بالاسماء ـ مكتفيا بالرد على حججهم واحدة ةتلو الأخرى، حيث وجه إليهم الرسالة التالية رغم كون عنوانها يظهر أنها تخاطب جميع دعاة التعديلات بدون استثناء :
"رسالة مفتوحة إلى دعاة التعديلات الدستورية / بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
دعاني صديق عزيز علي إلى مهرجان من مهرجانات التحسيس التي يجري تنظيمها في مختلف أنحاء الوطن فلبيت النداء. وقد حضر الوقائع جمع من المثقفين والمتكلمين وأصحاب الروابط والمبادرات الأهلية.
وكان أول من تناول الحديث في المهرجان معالي الوزير المختار ولد اجاي رئيس حملة انواكشوط فأوفى الموضوع حقه وشرح وعبأ وأوجز ثم انسحب لينعش مهرجانات أخرى.
وبعد انسحاب معالي الوزير بدأت تدخلات المنعشين الآخرين الذين أوجز بعضهم وأفاد، وأسهب بعض، وحز آخرون في غير مفصل.
ومن أغرب ما لفت انتباهي في أحاديث المسهبين والضاربين بسيوفهم في الهواء ما يلي:
- الحديث بإسهاب عن النشيد الوطني، في حين أن موضوع النشيد الوطني غير وارد في التعديلات؛ الشيء الذي جعلني أتساءل عن مدى براءة الحديث عن النشيد الوطني في هذه الحملة. أو ما كان أولى بالمتكلمين أن يتركوا الحديث عن النشيد الوطني جانبا، ويركزوا على الموضوعات التي يتناولها التعديل؟ وذلك التزاما منهم بالموضوع وتوفيرا للجهد.. اللهم إلا إذا كانوا ممن قيل فيهم:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما **** يراد الفتى كيما يضر وينفعا!
ولي عودة أخرى إلى هذا الموضوع إن شاء الله.
- في الحديث عن تعديل العلم الوطني وما يرمز إليه مقترح التعديل من تخليد لذكرى المقاومة والعرفان لها وردت مبالغات لا أساس لها من الصحة مثل:
* أنه قبل مجيء هذا النظام كان كل من يتحدث عن المقاومة يتعرض للسجن. وهذا افتراء على التاريخ؛ فأنا مثلا كتبت سنة 1965 مسرحية تحت عنوان "ليلة القدر" دارت وقائعها حول عملية اغتيال كابولاني رويت فيها أحداث تلك الليلة البطولية كما رواها لي السيد محمد ولد الصفرة (أحد منفذي العملية) رحمه الله. وقد شاركت بها في مسابقة نظمها المركز الثقافي العربي ففازت بالجائزة الأولى. ولم أتعرض لشيء. كما كتبت سنة 1974 قصة عن بنت أمير المقاومة سيد أحمد ولد عيده التي ثأرت من أحد قتلة أبيها! وكم تكلمنا في محافلنا عن الأمير المجاهد بكار ولد اسويد أحمد والأمير المجاهد أحمد ولد الديد!
* أنه لا علاقة بين الشعب الموريتاني والعلم الموريتاني الحالي الذي هو علم موروث عن الاستعمار! وهذا قول باطل هو الآخر. فالعلم الحالي وضعه ممثلو الشعب الموريتاني على علاته وعلى علاتهم، في ظروف استثنائية بطولية كانت فيها فئة من الحالمين المبدعين المخلصين تتصدى لإنجاز مشروع إنشاء دولة من عدم، لأن الوعي بأهمية هذا المشروع غائب يومئذ عن أغلبية الشعب، والوسائل أشد غيابا، والمساعد قليل، والمناوئ والمثبط حاضر في كل حدب وصوب. فلماذا؟ وإلى متى؟ يظل أبطال الكلمات الجوفاء يعرضون عضلات ألسنتهم دون وضع الأحداث في سياقها، ودون أدنى اعتبار للظروف التي أفرزتها؟ ولمصلحة من يجري تشويه تاريخنا؟ ولما ذا يسعى البعض إلى جعلنا مُنبَتِّين لا أصل لنا ولا فرع؟
- أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو أشجع رئيس عرفته البلاد لأنه نوه في خطابه في تجگجة بعملية اغتيال كابولاني. أنا طبعا أقاسم هذا المتدخل رأيه في شجاعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز. لكني أختلف معه في مسألتين جوهريتين:
* المسألة الأولى: أن شجاعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا تتجسد في هذا التنويه فحسب، ولا بالدرجة الأولى؛ بل تتجسد في مواقف كثيرة أخرى من بينها بالدرجة الأولى حمله روحه في كفه مرتين في سبيل إنقاذ الوطن من المفسدين والمتآمرين في 3 و6 أغسطس 05 و08 واستعداده الدائم للتضحية بأعز ما يملك (أي روحه) دفاعا عن الوطن وعن مبادئ الخير التي يؤمن بها، واحتقاره للخونة والمفسدين.ومن بينها كذلك قطعه للعلاقات الدبلوماسية المخزية مع إسرائيل؛ الأمر الذي لم يكن ليقدم عليه أي رئيس موريتاني غيره، والذي ظلت تعارضه كل القوى السياسية موالاة ومعارضة.
* المسألة الثانية: أن الاعتراف بشجاعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا ينفي أو يتناقض مع الاعتراف بشجاعة غيره من رؤساء موريتانيا الشجعان، وأذكر منهم مثالا وحصرا الرئيس المختار ولد داداه الذي تمثلت شجاعته في مواقف كثيرة منها - على سبيل المثال- الإقدام والإصرار على السعي إلى استقلال هذه البلاد التي كانت يبابا؛ وإنشاء عاصمة وعلم ونشيد وجيش ومؤسسات من عدم، والوقوف من عدم إلى جانب الثورة الجزائرية ضد فرنسا المستعمرة، وقطع العلاقات الدبلوماسية من عدم مع الولايات المتحدة وبريطانيا دعما للعرب 67، وإلغاء الاتفاقيات الجائرة مع فرنسا والخروج من منطقة الفرنك وإنشاء العملة وتأميم ميفرما، وقول "لا" مدوية للرئيس بومدين في بشار ..الخ.
- القول في ذكر منجزات الرئيس التي أتفق مع القائل في كثرتها وفي تثمينها: إنه أول رئيس ينشئ مجلسا أعلى للشباب. وهذا شطط آخر وجهل بالتاريخ؛ ذلك أنه في عهد الرئيس المختار ابن داداه تم تنظيم مهرجان وطني مفتوح للشباب في شهر أغسطس 74 شارك فيه آلاف الشباب وغيرهم من مختلف أنحاء الوطن موالاة ومعارضة؛ وهو الذي صاغ سياسة الوحدة الوطنية ووضع توصياتها، وعلى أثره تم تأميم ميفرما في 28 نوفمبر 74. وفي 76 وأثناء الحرب الشرسة التي لا ترحم، تم تنظيم مؤتمر وطني للشباب شاركت فيه وفود منتخبة من جميع ولايات ومقاطعات البلاد، وأصبح رئيس المجلس الأعلى للشباب المنتخب عضوا استحقاقيا في المكتب السياسي لحزب الشعب الموريتاني.
ترى لما ذا يريد لنا بعض المتكلمين أن نكون أدعياء، ولماذا يتعمدون تزوير التاريخ؟
أفلا يعلم هؤلاء أن هذا البلد كان موجودا قبل التاريخ وفي التاريخ وبعد التاريخ: فالمور وصنهاجة وأزير والمرابطون وابجوكل وإدوعيش وبنو حسان والزوايا (ناصر الدين) والإماميون والإمارات المتصارعة والاستعمار والمقاومة والاستقلال.. كلها حقب تاريخية قد تركت بصماتها على هذا الوطن وأهله؛ وبالتالي فلا يمكن القفز فوقها ولا إنكارها. ثم إن هناك قائدا عبقريا صادقا صالحا هو أبو الوطن وصانع الاستقلال وباني الدولة الحديثة الموحدة في موريتانيا وراعي الوحدة الوطنية،وهو الرئيس المختار ولد داداه، يجب أن تشكل هالة تقديره واحترامه خطا أحمر فهو سلف وقدوة المصلحين والبناة.
ومن أبرز أسباب وقوفنا إلى جانب الرئيس البطل محمد ولد عبد العزيز – إضافة إلى ما يتميز به من مزايا- أنه أعاد الاعتبار الواجب إلى ذلك القائد المؤسس واقتدى به؛ فبنى الجيش، وصان الوحدة الوطنية، وحارب الفساد، واعتنى بظروف حياة وصحة وتعليم المواطنين، وأعاد لموريتانيا كرامتها واعتبارها بين الأمم. وما الإصلاحات الدستورية المقترحة إلا خطوة جبارة في سبيل توطيد الصرح الوطني الجديد. وسوف تنتصر مهما شكك وادعى المشككون والمفسدون والجامدون."
تصنيف: