وفاتني أن أقول شيئا مهما، هو أنه في أول ذكرى لاستقلال البلاد بعد التأميم حرك المغرب "المسيرة الخضراء" بهدف السيطرة على الصحراء، وكانت إسبانيا متذبذبة، بينما الجزائر تقول إنها غير معنية بهذا الموضوع لأنها لا ترى إمكانية اتفاق المغرب وموريتانيا عليه، لكن المغرب وموريتانيا وإسبانيا اتفقوا على التقسيم! وكما يعلم الجميع فالحرب هي أسمى درجات السياسة ، لكن الحرب حربان: حرب يمكن تجنبها وهذه مجرم من أشعلها، وأخرى لا يمكن تجنبها، وهذه مجرم من لم يشعلها. فهل كان بالإمكان تجنب هذه الحرب؟ وماذا كان تفكير قادة بلادنا؟ أنا شخصيا لم أناقش موضوعها مع الرئيس المختار، لكني ناقشته مع وزير الدولة للسيادة الداخلية أحمد ولد محمد صالح أطال الله بقاءه؛ كما أننا في الحركة الوطنية الديمقراطية ناقشنا الموضوع مع قيادة جبهة البوليزاريو التي كانت موجودة هنا، وكنا ندعمها ونعتبر تحرر الصحراء جزءا من مشروعنا الذي نعمل من أجله.
بحثنا معهم الكثير ونصحناهم ببعض الأمور التي كادت تقع لكن مشيئة الله حالت دون ذلك. وكانت توصيتنا الأساسية لهم البدء باستقلال داخلي تحت السيادة الإسبانية، واستبقاء قواعد إسبانية لحماية الصحراويين من التغلغل المغربي وغيره من التهديدات المحتملة، وكان هذا ممكنا وقبلته إسبانيا إلى حد ما وقبله إخليه انّ ولد الرشيد.
نصحناهم بهذا لكن تجربتهم كانت ضحلة جدا، وكانوا بحاجة إلى الكثير من الحكمة. كانوا مجموعة من الشباب ذوي النيات الحسنة لكن هذا لا يكفي فالطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة كما تعلمون.
لحسن: وأنتم قد وصلتم في أحد مقالاتكم إلى أن هذه الحرب كانت تحركها عقول سياسية أكثر من وجود خبرات عسكرية؛ مثلا كانت القيادة في موريتانيا سياسية بامتياز. وقد ذكرتم أن وزير الدفاع في موريتانيا حينها لم يكن ذا علاقة بهذا المجال.
ذ. إشدو: نعم.. هذا جانب آخر. قلت إن إسناد حقيبة الدفاع إلى أستاذ للغات الشرقية والفلسفة عند ما شبت الحرب كان علامة جلية على أن السياسة هي التي تقود الحرب وليست الحرب هي التي تقود السياسة. وفي إعادة التأسيس (كما أسميها) المقوم بها في موريتانيا نلاحظ أن تعيين وزير مدني للدفاع داخل في هذا الإطار. فينبغي أن تكون السياسة ممسكة بزمام البندقية لا العكس. هذا من جهة.
لكن ما أعنيه هو هل كانوا يتصورون أن الحرب ستنسف جميع ما تحقق، وستنسفهم هم أيضا؟ لا أدري!
في حديثي مع الوزير أحمد تناولت معه هذا وناقشته في خطورته؛ بل إنني في حديث بعد ذلك مع الرئيس أحمد ولد داداه (وكان محافظ البنك المركزي وقتها) وآخر مع السيد محمد عالي شريف مدير ديوان الرئيس وقتها، كنا دائما نتناول خطورة الحرب وإلى أين ستذهب بموريتانيا، وخطورة قيام انقلاب عسكري عشائري؟ وسبق أن ذكرت لكم أني أمضيت ما قد يزيد على ساعتين أبحث مع الوزير أحمد وأشرح له خطورتها وهو لا يراها تصل إلى ما أصف، وعند وداعنا كانت خريطة موريتانيا على الجدار فقال لي إنهم سيعتبروننا خونة إن لم ندافع عن الوطن، فأجبته بأننا مستعدون للدفاع عن الوطن، لكن الوطن لدينا هو هذا المرسوم في هذه الخريطة وما زاد على ذلك لا نعتبره وطنا ولا ندافع عنه!
حسابات خاطئة
لحسن: هل كنت تعني بهذا الأطماع التوسعية للنظام؟
ذ. إشدو: بالطبع، بالطبع.. فنحن لم نوافق أبدا على اتفاقية مدريد، وهذا ما نحذر منه. وقد ضمن لي أن لا تكون موريتانيا البادئة بإطلاق النار؛ وفعلا لم تكن موريتانيا من أطلق الرصاصة الأولى، لكن الصحراويين يرون الرصاصة الأولى والعدوان عليهم يتمثلان في قبول التقسيم. وحسب ما فهمت وما استقيته من بعض المسؤولين فإن وجهة نظر موريتانيا تتمثل في الدخول مع المغرب في هذا التقسيم وترك الصحراويين والمغاربة دون تحريك ساكن من ناحيتها؛ فإن انتصر المغرب فهي مرتبطة معه باتفاقية تقضي بنيل نصيبها، وإن انتصر الصحراويون فمن السهل التراجع عن اتفاقية التقسيم. وهذا تفكير سطحي؛ خاصة وأن وراء الأكمة ما وراءها، فالجزائر المتنافسة مع المغرب وراء هذا، والمغرب أيضا وراء هذا ولن يقبل البقاء وحيدا في الجبهة؛ والمخابرات المغربية متغلغلة في الصحراويين والمخابرات الجزائرية متغلغلة فيهم كذلك، والمخابرات الموريتانية تحاول الدخول أيضا. من يدري؟ قد تكون الرصاصات الأولى التي أطلقتها البوليزاريو في لگويره من فعل استخبارات المغرب أو الجزائر أو مندسين فيهم.. المهم أن تلك الرصاصات أشعلت السهل كله.
تصنيف: