بعد الجدل السياسي الساخن حول توقيف السيناتور محمد ولد غده على اثر القتل غير المتعمد الذى ارتكبه خطأ عن طريق حادث سير على طريق روصو تسبب فيه لما كان يقود سيارته، فها هو إطلاق سراحه يثير هو الآخر جدلا قانونيا بين القضاة لا يقل أهمية. فيما يلي أهم ملامحه عبر المقتطفات التالية من أقوال المشاركين في هذا الجدل القانوني. نقلا عن موقع الأخبار:
" الأخبار (نواكشوط) – أثار نشر أمر تعليق اعتقال عضو مجلس الشيوخ محمد ولد غده الصادر عن الغرفة الجزائية بمحكمة ولاية الترارزة نقاشا بين القضاة على مواقع "فيسبوك"، وذلك عقب نشر نص القرار على صفحة المحامي محمد المامي ولد مولاي اعل.
ونشر ولد مولاي اعل نص القرار، مصحوبا بملاحظات، بدأها بوصفه بأنه "هو أول أمر قضائي من نوعه في هذا البلد".
وهذا هو نص تعليقه:
"الأمر القضائي القاضي بتعليق اعتقال ولد غدة هو أول أمر قضائي من نوعه في هذا البلد، ويثير لدينا - من الناحية العلمية - بعض الملاحظات:
1- تنص بعض الدساتير على توقيع جزاء جنائي على مخالفة أحكام الحصانة (الدستور الفرنسي)، بينما تقرر أغلب النظم بطلان الإجراءات التي تتم مخالفة لأحكام الحصانة، أما الدستور الموريتاني فلم يقرر جزاء واضحا على مخالفة هذه الأحكام، في حين عاقبت المواد من: 111 إلى 115 الموظف العمومي أو العون أو المأمور الحكومي الذي يأمر بأمر مخالف للدستور.
2- يوجد فراغ قانوني كبير بشأن إجراءات تطبيق بعض النصوص الدستورية، وعلى كل حال شكل هذا القرار سابقة واجتهادا قضائيا بشأن إمكانية تأسيس الأوامر والقرارات القضائية مباشرة على أحكام الدستور، على الأقل سدا للفراغ في انتظار صدور قانون ينظم تلك الإجراءات (تضمن الدستور مؤخرا تجريم الانقلابات).
3- ضمن الأمر تفسيرا صائبا لنص الفقرة الأخيرة من المادة: 50 حين قال: (حيث يفهم من ظاهر صياغة الفقرة الأخيرة من المادة: 50 المذكورة أعلاه أنه يعلق اعتقال عضو غرفة البرلمان بمجرد صدور طلب عن الغرفة المعنية).
فعلق القاضي هارون ولد عمار ولد إديقبي قائلا: "الأمر يكفي منه الأمر بالإفراج وهو أمر إداري يتخذه الرئيس لأنه معلق بقوة القانون ولا حاجة لأمر به وإنما يؤمر المسير بالإفراج، عنونة الأمر من وجهة نظري غير موفقة".
وجاء الرد من القاضي عبد الله ولد شماد – وهو رئيس الغرفة التي أصدرت الأمر – حيث علق قائلا: "فهم احترمه ولكنني لا اتفق معه لأنه لو كان مسيرو السجون يفرجون عن سجناء في عهدة المحاكم بمجرد طلب من سلطة تشريعية أو تنفيذية لشكل ذلك خرقا لمبدأ فصل السلطات.
استقلال القضاء أمر مقدس وركن من أركان دولة القانون، وعلى القضاة واجب المواءمة بين نصوص القانون ومبدأ فصل السلطات عامة واستقلال القضاء خاصة.
وقد أحسن مشرعنا الدستوري عندما اعتبر الوثيقة التي تصدرها غرفة البرلمان "طلبا" وليست "أمرا" حفاظا على فصل السلطات.
والطلب والأمر لا شبهة بينهما في الطبيعة ولا الشكل ولا الأثر.
ورد القاضي ولد إديقبي بقوله: "أنا اتفق معكم في الفهم لكن العنونة بأمر تعليق هو محل الخلاف إنما هو أمر إفراج بناء على طلب الشيوخ فقط هذا هو الصحيح ثم إن الأوامر القضائية لا تجعل على الرأسيات ولا تكون فيها الفرنسية الحكم أو القرار يحرر بلغة عربية ويبتدأ ببسم الله العلي وبالتالي فالأمر يمكن أن تتعرض عليه النيابة العامة لبطلانه الشكلي ويقال له أمر الإفراج وليس تعليق الاعتقال ذاك تفعله الغرفة أما المسير فلا يؤمر إلا من قبل القضاء وبالتالي فهو لا بتلقى إلا بطاقتين إيداع أو إفراج أو قبض وهو إيداع بقوة القانون. الفقه الجنائي واضح في هذا.. والله أعلم".
وعلق المحامي ولد مولاي اعل بقوله: "مروركم السادة الرؤساء جميل ينير ويشرف الصفحة، وأعتقد أن الغرفة "تطلب" والمحكمة "تعلق" ومسير السجن "يفرج" ويترتب على ذلك ما يترتب عليه من التفرقة بين الطلب المقدم من الشيوخ، وقرار المحكمة المعلق للتوقيف، وأمر الإفراج المنفذ لذلك.. والله أعلم".
فيما علق القاضي ولد إديقبي قائلا: "إذن بأي طريقة خرج بالتعليق أو الإفراج، المسير لا يستقبل قرارات التعليق وإنما الإفراج، والمحكمة لا تعلق إلا بحكم ومصطلح التعليق لم يرد في المجال الجزائي كما تعلم".
وجاء الرد من القاضي ولد شماد حيث قال: "أوضح الأستاذ محمد المامي واختصر ما كنت سأقوله.
أود فقط أن أضيف أن أمر التعليق أثر مباشر للطلب المقدم من طرف مجلس الشيوخ، والتسمية أطلقتها المادة: 50 من الدستور "تعليق الاعتقال" ولم تقل أمر إفراج (وطلب مجلس الشيوخ كان يرمي صراحة إلى "تعليق الاعتقال" فقط والقاضي مقيد بطلبات الأطراف) ولا علم لي بنص قانوني يحصر عناوين الأوامر التي تقدم إلى مسير السجن (مع العلم أن أمر القبض لا يقدم لمسير السجن)، ولا علم لي بنص يلزم القاضي أو كاتب الضبط بطباعة الأوامر على أوراق خالية من رأسية وعنوان المحكمة، ولا علم لي بنص يبطل أوامر القضاء إذا ظهرت على رأسيتها ترجمة أعجمية لعنوانها العربي. والتحرير ليس "الرأسية" أو "عنوان المحكمة".
أما عبارة "بسم الله العلي العظيم" فهي واضحة على رأسية الأمر.
والقاعدة كما هو معلوم أنه "لا بطلان بدون نص" كما أن العرف والاجتهاد القضائين يؤيدان شكلية الأمر (انظر أوامر بعض رؤساء غرف المحكمة العليا وأوامر رؤساء غرف بعض محاكم الاستئناف عندنا). والفقه الجنائي لا علاقة له بشكليات أوامر المحاكم.
والمنطق يفرض وجود اجتهاد قضائي لسد الفراغ التشريعي مع ضرورة تقيد الاجتهاد بالمصطلحات المنصوص عليها صراحة.
وسأتوقف هنا عن التعليقات والردود.
بارك الله فيكم جميعا وفي فهمكم وتعليقاتكم المفيدة والمثيرة للنقاش العلمي الموضوعي".
واكتفى القاضي ولد إديقبي بالتعليق بقوله: " ولا علم لنا...".
تصنيف: