كنا نتحدث أنا وإياه عبر الهاتف مساء اليوم عن زيارة سيقوم بها لبلد له مكانة عظيمة في قلبي لا مثيل لها إطلاقا. من خلال تجاذبنا لاطراف الحديث تبين لي بسرعة أن للرجل مواهب أدبية أثارت فضولي شيئا ما. فقلت له بنبرة يمتزج فيها الاحترام والمجاملة : " سوف ابحث في الانترنيت حول إنتاجك الأدبي" .. وها انا فعلت.. بيد أنه فور قراءاتي الأولى، شعرت بأن انطباعي، تغير لمَّا قلت في نفسي : " لا بد لي أن استأذنه في نشر بعض كتاباته على موقع : "موريتانيا المعلومة".
غير انني لم انتظر طلب الإذن. وهكذا أقدمت : نشرت دون الحصول على ترخيص من المؤلف الذي لم أوجه له طلبا حول الموضوع. لكنني على يقين انه لن يحاسبني إن علم أن لدي عذرا مقبولا : قوة الجاذبية لدى "فاصلة منقوطه" لم تترك لي خيارا آخر.
البخاري احمدو محمد مؤمل
" فاصله منقوطه
(1)
فتح الطبيب شقا على شكل قوس في بطن المريض ووضع داخله فاصلة منقوطة ومن ثم أغلق القوس (؛) توجه نحو مكتبه وجلس على كرسيه الدوار ووضع رجلا فوق أخرى وأمسك قلمه ورسم العديد من الفواصل المنقوطة على سجل المراجعين.
والمريض المحشور هناك بين معترضتين غص إهمالا، وبقية المرضى الذين لم يسقطوا من الصفحة يقفون على آخر السطر ينتظرون الدور، ولأن الطبيب يدرك جيدا أن ليس للمرضى «دية» سوى بعض الفواصل المنقوطة بين إجاباته على دفتر التحقيق بات يتقن استخدام تلك الفواصل أكثر من أي وقت مضى!
(2)
في قسم الطوارئ كان يجلس خلف مكتب صغير شاب اهتم بأناقته جيداً، تجلس بجواره مجموعة من الممرضات الأجنبيات، يخرج هاتفه المحمول ويبحث في لوحة المفاتيح عن الفاصلة المنقوطة، في هذه الأثناء كان الإسعاف قد توقف أمام بوابة الطوارئ، ويصرخ رئيس القسم الحالة وصلت وتهرول الممرضات باتجاه المريض وهو ما زال يبحث عن الفاصلة المنقوطة في لوحة المفاتيح، وفجأة تذكر أنه وضعها في جيب البالطوا الأبيض، ابتسم أنها لم تسقط منه ونهض بعد ذلك ليرى ما حصل للحالة، ولأن هذا الممرض أدرك أهمية الفاصلة المنقوطة بات يضع أكثر من واحدة في جيب البالطو.
(3)
كان طبيب النساء والولادة قد خرج للتو من غرفة العمليات وقد علقت الفاصلة المنقوطة أسفل إحدى فردتي الجزمة، كان يسير منشغلاً وهو يحسب كم جنى مكافآت من العمليات القيصرية هذا الشهر، قال في نفسه بقي عمليتان وأكمل المبلغ! ابتسم ابتسامة رضى، مشى بخطوات سريعة وما زالت الفاصلة المنقوطة في مكانها أسفل إحدى جزمتيه.
(4)
عندما وصل لقسم الطوارئ كانت حالة أمه في تدهور، طلب استدعاء الاختصاصي إلا أنه لم يجد سوى المماطلة وأخبره أحدهم بعد أن قدم مسوغات لا أول لها ولا آخر أن الأخصائي لن يأتي، ثارت ثائرته وتوجه نحو مكتب مدير المستشفى المناوب، وجد الباب مغلقا وعندما نظر للوحة التي أعلى الباب وجد الفاصلة المنقوطة وقد استقرت آخر الجملة. مدير المستشفى المناوب فاصلة منقوطة. عندما يكون وضع الخدمات الصحية المقدمة للمواطن هي كما هو أعلاه، فاعلم أن وزارة الصحة تهتم بأشياء أخرى غير الصحة. الصحة تحتاج لعلاج! هذه الوزارة المترهلة يبدو أنها بحاجة إلى علاج وعمليات استئصال لبعض الأورام المنتشرة في جسدها، وتحتاج أيضا إلى نقل دم، فلا بد أن تضخ في شرايينها دماء جديدة نظيفة ولا ضير إن كانت هذه الدماء طاهرة، ولكن إذا كانت تحتاج هذه الوزارة لتتعافى إلى رحلة علاجية كتلك التي يقطعها المريض فربما تموت قبل أن تجد سريرا! وزارة الصحة وأداؤها الضعيف يقتل المواطن، كثرة التشخيصات الخاطئة في مستشفياتنا تجعلنا نتساءل هل من قدمتم بهم من الخارج أطباء بالفعل!
لماذا نضطر إذن للسفر للخارج حتى نحصل على النتيجة الصحيحة، هل ميزانية الوزارة لا تكفي لجلب أطباء أكفاء، ألم يخبركم أحد بأن عمليات الترقيع هذه تزيد الطين بلة!
المواطن لا يجد سريرا! مستشفيات غير مجهزة! مواعيد عرقوبية! لماذا؟ أليس من حق كل منطقة أن تنعم بخدمات طبية فائقة الجودة، وأن يوفر في كل محافظة مستشفى متكامل يخدم المواطنين ويوفر لهم مستوى محترما من الخدمة؟ في شمال المملكة المريض يسافر والأهل يترقبون، من عكس المعادلة لم يشعر يوما بمرارة أن تحمل جسدا منهكا يتألم في صالات المطارات بحثا عن العلاج". سلطان الحويطي
تصنيف: