أصدر امس الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله بيانا موقعا باسمه انتقد فيه بقوة شديدة تغيير الدستور عبر استفتاء شعبي وهدد ريس الدولة إن هو اقدم على ذلك؛ وهذا الهجوم أمر متوقع لأنه يلتقي في الطرح مع أطراف المعارضة الراديكالية التي تتخذ من عدم تعديل الدستور بأي وسيلة كانت شعارا لها ومطية تركبها في كفاحها ضد النظام منذ اقتراح التعديلات ضمن مخرجات الحوار الوطني الشامل الماضي. ويبدو أن الرئيس السابق سار على خطواتها وهذا ليس غريبا. غير أن الجديد في موقفه وفي لغته هو اعترافه ضمنيا وعلى مضض بسلطة محمد ولد عبد العزيز كرئيس شرعي لموريتانيا. تبين ذلك من الطريقة الخطابية التي وجهها الرئيس السابق للرجل الذي أطاح به سنة 2008 والذي يبدو أنه لا ولن يغفر له ذلك أبدا.
وعدم غفران سيدي هذا أدى به إلى عدم الاعتراف فيما سبق وحتى الأيام الماضية بأي شرعية لخلفه على كرسي الرئاسة رغم انتخاب هذا الأخير مرتين متتاليتين في استفتاْءين شعبيين مباشرين : في يوليو 2009 وفي يونيو 2014 .
والشيء المثير للتساؤل الآن هو: هل ولد الشيخ عبد الله قد عدل عن موقفه الرافض لولد عبد العزيز كرئيس شرعي لموريتانيا؟ أم أنه غفل عن الأمر لما استخدم مرارا عبارة "رئيس الدولة" ـ مخاطبا إياه ؟
عبارة كررها ثلاث مرات في مواقع متعددة من نصه، حيث قال في بدايته : " بعد إعلان رئيس الدولة عزمه على اللجوء للمادة 38... "؛ ثم كتب في متنه : " (...) أدعو رئيس الدولة إلى أن (...) يعدل عن قراره" ؛ ثم قال أخيرا وبنبرة حادة وتهديدية : " وفي حال اصرار رئيس الدولة(...)".
لماذا سيدي ولد الشيخ عبد الله يمنح صفة "رئيس الدولة" لرجل لا يعترف له بذلك ؟ هل هو تكتيك يريد منه إضفاء شرعية وقبول على محاولته العودة إلى المسرح العمومي بعد سبات سياسي عميق دام حوالي سبع سنوات ؟ قد يكون الجواب هنا "نعم".
لكن هل هذا الأسلوب الخطابي الجديد لدى الرئيس السابق ـ الذي يعترف من خلاله بواقع فعلى ودستوري فُرض عليه قبوله ـ يكفي ليجعل منه طرفا فاعلا يحسب له في المعادلة السياسية الموريتانية؟ من الصعب تأكيد ذلك.. و الله تعالى اعلم.
ويطرح سؤال آخر نفسه ويبقى بدون جواب لحد الساعة: ما هو الدافع المباشر لهذه الخرجة السياسية والإعلامية المفاجئة التي قام بها سيدي ولد الشيخ عبد الله ؟ هل هناك من طرف غير معلن وراءها أو له بها علاقة ؟
-------------------------------------
بيان من سيدي محمد بن الشيخ عبد اللـه
الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية الموريتانية
منذ استقالتي في يونيو 2009، قرابة عام بعد الانقلاب الذي منعني من ممارسة مهامي الدستورية، حرصت على أن أكتفي بمراقبة سير الأوضاع في البلاد، ملتزما الكف عن الإدلاء بأي تصريحات عمومية، متمنيا التوفيق لكل أطراف الطيف السياسي في خدمة الشعب.
لقد قررت حينها بوعي أن أعتصم بالصمت ما لم تتعرض البلاد لمخاطر تهدد السلم الاجتماعي وتعصف بمستقبل الوطن. ويؤسفني أن ألاحظ أن تواتر نذر الانزلاق وارتفاع مؤشرات تدهور الأوضاع قد وصلت اليوم ـ حسب اعتقادي ـ إلى المستوى الذي كنت أخشاه، بعد إعلان رئيس الدولة عزمه على اللجوء للمادة 38 من أجل تعديل الدستور بعد أن فشلت المحاولات التي بذلت لتمرير التعديلات من خلال البرلمان طبقا لمقتضيات الفصل الخاص بذلك في الدستور.
إن دستورنا الذي يعبر عن إرادة شعبنا يمنح كلا من رئيس الجمهورية (السلطة التنفيذية) والبرلمان (السلطة التشريعية) - وعلى حد التساوي - حق المبادرة باقتراح مراجعة الدستور ويضبط شروط هذه المراجعة. وهو يمنح هذين الطرفين بانتخابهما من قبل الشعب وممثليه درجات متكافئة في ميزان الشرعية، ويحدد لكل منهما صلاحيات واضحة، ويمنع أيا منهما أن يجور على صلاحيات الآخر. وبناء على ذلك فإن أي تعديل دستوري انطلاقا من المادة 38 من شأنه أن يفتح الباب واسعا أمام تعديلات لاحقة قد تمس ثوابت الأمة ومكتسباتها الديمقراطية (كطبيعة النظام الجمهوري والتناوب على السلطة والحوزة الترابية ...).
وإنني إذ أستشعر المخاطر التي تتهدد مستقبل الديمقراطية في البلاد لأدعو رئيس الدولة إلى أن يغلب المصلحة العليا للوطن، ويعدل عن قراره القاضي بتجاهل نتائج مناقشة التعديلات الدستورية في غرفتي البرلمان وفقا للمواد 99-100-101 المتعلقة حصرا بمسطرة تعديل الدستور.
وفي حال إصرار رئيس الدولة على انتهاك الدستور فإنني أعتقد أنه من واجب كل الوطنيين الأحرار المتشبعين بالقيم الديمقراطية الغيارى على مستقبل بلدهم أيا كانت مواقعهم على الخريطة السياسية – وأنا فرد منهم - أن يبذلوا ما في الوسع من أجل مقاومة هذا الانقلاب الدستوري وإفشاله.
واللـه ولي التوفيق.
نواكشوط، 26 مارس 2017
سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية الموريتانية
تصنيف: