منذ تأسيسه والتكتل يتربص.. يقف على رجل واحدة، وينظر بعين واحدة، ويسعى إلى هدف واحد.. فلا بد من كرسي الرئاسة وإن طال التربص، وازدادت العزلة، وتسربت الكوادر، ورحل العمر... يعتقد التكتل أنه الخلف الطبيعي لأي نظام في موريتانيا... فحين سقط نظام ولد الطائع بانقلاب عسكري، كان التكتل على رأس المؤيدين للانقلاب وهو الحزب الديمقراطي الاشتراكية... خاض التكتل الانتخابات الرئاسية فخسر الكرسي ليعود إلى التربص وريثا شرعيا للسلطة القائمة.. وحين أسقط سيدي، هلل التكتل للحركة التصحيحية، وبعث رسله إلى كبرى الديمقراطيات، والأحزاب الاشتراكية شارحا أن ما حدث "حركة تصحيحية"، ينبغي مواكبتها حتى تجري انتخابات نزيهة وشفافة لا يشك التكتل لحظة بفوزه الساحق بها... شكل الحكومة، عين السفراء، كتب لائحة المدعوين لحفل التنصيب لكن الأحلام تبخرت لأن الله، في زعم خبراء التكتل، منح حرف "الباء"، يوم الاقتراع، قدرة على الحركة الذاتية فاستقر في خانة المرشح محمد ولد عبد العزيز، وهجر خانة رئيس التكتل... فعاد التكتل إلى التربص، وتكونت لديه عقدة من الانتخابات.
أصبحت السفارات ملاذه الدائم؛ ينفخ في الشائعات، ويختلق الأزمات معتقدا أن "مصائب" الوطن فوائد له؛ فكانت سقطته الأخيرة، حين اتحد الموريتانيون، موالاة ومعارضة في وجه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الوطن من حزب ظل يضمر لبلادنا السوء، بينما اختار التكتل الهجوم على النظام بدل الدفاع عن الوطن!!! فعنونت بعض المواقع بيانه الذي أصدره، بناء على مضمونه.." موريتانيا فقدت مصداقيتها... موريتانيا تواجه عزلة في محيطها... التكتل يهاجم النظام الموريتاني..." وحين ننتقل إلى مضمون البيان الفضيحة نجده هجوما شرسا على النظام، وكأنه مؤازرة للهجوم الأجنبي على الوطن. وبذلك أصبح التكتل حصان طروادة، وطابورا خامسا يتآمر على الوطن، فيتربص به الدوائر...
يبدأ الحزب بيانه الهزيل، الذي لم يتجاوز 228 حرفا، بإعلان تفاجئه! وكأنه اتفق مع الأجنبي على شيء آخر، ربما أكثر سوءً.." فاجأنا الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي، السيد حميد شباط، بتصريح جاء فيه أن "حدود المغرب تمتد من سبتة إلى وادي السنيغال"، في إشارة واضحة إلى أن بلادنا جزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية."
بهذه العبارات منزوعة الدسم يبدأ التكتل بيانه! فهو يروي حادثة فاجأته، وكأنها حادث سير طفيف، يصفه شرطي مرور ناعس... ويفهم التكتل من الطعن في سيادتنا الوطنية، إشارة بدت له واضحة إلى "أن بلادنا جزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية".. رواية باردة محايدة كأنها تحاول التقليل من حدة التصريح المعادي لبلادنا... يستمر التكتل في رواية "الحادث" ناقلا بتجرد مشاعر الموريتانيين.. " لقد أثارت هذه الخرجة الإعلامية، سخطا عارما لدى كافة مكونات الرأي العام الموريتاني،..." تلك هي مشاعر الموريتانيين، فأين موقف التكتل!
على القارئ أن يصبر على سرد التكتل للتاريخ، وأن يسمع، للمرة الألف هجومه اللاذع على النظام، حتى يصل أخيرا إلى موقف التكتل الذي عبر عنه، في نهاية البيان الفضيحة بلغة خشبية بلا طعم ولا رائحة.. "...- يدين بشدة تصريح حزب الاستقلال، ويستهجنه؛".
حين كان التكتل يروي "الحادثة" بحياد وتجرد، نسبها إلى " الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي، السيد حميد شباط"، أما حين أراد أن يدين ويستهجن فقد اختبأ وراء حزب الاستقلال! فهو يجبن عن إدانة واستهجان التصريح منسوبا إلى صاحبه الذي يخاطبه التكتل باحترام كبير!!!
ترى لماذا كل هذا التحفظ في إعلان موقف صريح واضح من عدوان صارخ على الوطن وكيانه، مثلما فعلت، دون تردد الأحزاب المعارضة! ربما يعود ذلك، ضمن أسباب أخرى يعلمها الحزب، إلى أن ممول الحزب، وراعي أنشطته مقيم عند جارنا اللدود الذي يستخدمه، كما يستخدم هو حزب التكتل. موقف محرج حقا... كيف يحافظ الحزب على قواعده التي تتقلص بشكل مطرد لتستقر في فرع من العائلة، دون أن يغضب ولي النعمة، الآمر بالصرف؟
تلكم هي محنة التكتل.. تأتيه تمويلاته، وتوجيهاته من الخارج ليستثمرها في الداخل. لكن شروط الممول، وفوائده الربوية المتراكمة تحرم التكتل من تحقيق أية أرباح، فينتهز فرصة تنزيلات رأس السنة ليبيع الوطن بأبخس الأثمان: 228 حرف فقط، لا غير‼
سيد محمد بوجرانه
تصنيف: