"ليستْ عندي حسابات سياسية"، وردتْ هذه الجملة على لسان رئيس حركة "إيرا" المحظورة قانونيا* ضمن تسجيل صوتي بثه تعليقا منه على بيان صدر عن "منسقية الشيخ محمد المامي/ الشيخ احمد يعقوب"، بينتْ فيه تلك المنسقية أن زيارة بيرام الداه اعبيد لها يوم الجمعة الماضي ليس لها أي غرض أو بعد سياسي. ولا يبدو بيرام مرتاحا لردة فعلها هذه على اصداء فعلها، ويُحمِّل "النظام" -على حد وصفه- مسؤولية هذا البيان النافي لأي حسابات سياسية وراء الزيارة بينما يقول هو نفسه بهذه المناسبة بأنْ ليستْ لديه حسابات سياسية.
وكلامه هنا يتفق مع ما أعلنه مستقبلوه. فلماذا يتضايق من بيانهم؟
السؤال وارد إن نحن اقتصرنا على ظاهر الكلِم. غير أن تصرفات بيرام واقواله وعلاقاته، أيا كانت اليافطة أو الإطار الذي تتخذه، لها مآرب سياسية وشخصية بدأ متابعوه يتعودون عليها: تحسين صورته كمناور سياسي ينتهز كل الفرص لتوسيع قاعدته الشعبية وشرعنة كل ما يصدر أو صدر عنه دون أن يبالي بما لذلك من أثر أو اضرار على الآخرين بمن فيهم من يستجيبون له بشكل أو بآخر.
وهذا ما أدركه جل رفاقه الأوائل في الحراك السياسي الذي اجتمعوا معه في إطاره قبل أن ينفرد هو كليا به ويخلق لهم العوائق والعثرات من كل نوع حتى تخلوا عنه وعن "إيرا". مما دفع بيرام إلى البحث عن بدائل. ولا يهمه إن تطلب منه ذلك التغييرَ أحيانا من حدة خطابه اللاذع ومن تصرفاته العنيفة. كما أنه لا يأبه بالولاء لمن آزروه ودعموه إن تبين له أن مصلحته الآنية تستدعي التخلي عنهم وعداءَهم. فهكذا نراه يفتخر ويعتز بأنه ولَّى ظهرَه تماما لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو مضيفا بأن هذا الأخير أغدق عليه العطاء والنعمَ. كما يشرح كيف تراجع عن قوله بانه لقي "صاحبه في ولد الغزواني".
وهكذا نراه أيضا يغازل من كان يصفهم بالنخاسة ويحرق الكتب والمراجع التي تشكل المصارد المعرفية الرئيسية الموروثة عنهم. يدخل في هذا الإطار زيارته، السابق ذكرها، لمنسقية "الشيخ محمد المامي" وتسلمه منها قبل ذلك هدايا تتمثل في مؤلفات من بينها شروح وإثراء لكتب سبق أن حرقها بيرام واصفا مضمونها وأصحابها بالنخاسة.
التقلبات في مواقف السياسيين، أمر طبيعي كثيرا ما يُعتبر عاديا. وبيرام لا يشذ عنه، بل إنه من أكثر النشطاء "حربائية" في هذا المجال. غير أنه لا يعلن ذلك أبدا، بل يحاول دائما وجاهدا التغطية على انتهازيته ومآربه الخفية، متباهيا بكونه "متشبثا يمبادئه وقيمه الأخلاقية التي تربى عليها"، "صريحا صادقا في أقواله"، و"مخلصا وفيا" في افعاله...
وهذا ما يدعيه في صوتيته الأخيرة حول زيارته "لمنسقية الشيخ محمد المامي" حين ينفي أي أغراض سياسية أو شخصية له فيها. غير أن الحدث وتداعياته – الزيارة والصوتية وغيرهما- لا يعدو كونه مظهرا من "حربائية" الرجل التي تقوده الآن إلى "التلون" عبر التقرب من موروث الشيخ محمد المامي ومن احفاده الحاملين لراية ذلك العالم الفذ المبدع. ولا شك أن هؤلاء لا يخفى عليهم ما يبحث عنه ضيفهم ذو المقاصد والنوايا الخفية المثيرة للجدل.
البخاري محمد مؤملْ (اليعقوبي)
_________
* تصويب: خلافا لما ورد في النص، فقد تبين لنا بعد نشره أن الحظر رفع عن حركة "إيرا" وتم تشريعها. لذا نلتمس المعذرة عن هذا الخطإ. (هيئة التحرير). _
تصنيف: