يبدو أن السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية السابق، قرر الخروج عن صمته والرد على خصومه بقوة، عملا بمنطق المبدأ الاستراتيجي القائل "الهجوم أفضل وسيلة للدفاع"؛ وهكذا قرر تنظيم مؤتمر صحفي في ظرف الأيام الثلاثة القادمة (انظر:"عاجل: ولد عبد العزيز يحضر مؤتمرا صحفيا يثير تساؤلات كثيرة...!" )
كما نلاحظ تزايد الخرجات الإعلامية الصادرة عن أنصار الرئيس السابق والمقربين منه.
لكن الخرجة الإعلامية الأهم تتمثل في بيان[i] طويل منسوب له[ii] تناول فيه بشيء من التفصيل رؤيته لعلاقته بخلفه وتطوراتها، حيث هاجم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني دون أن يذكره بالاسم، قائلا:
" لقد عملتُ جاهدا خلال مأموريتي الأخيرة (2014-2019)، وبصعوبات كبيرة، على إقناع كل الطيف السياسي داخل الأغلبية الرئاسية لترشيح رفيق كنت أعتبره مؤتمنا على مصالح البلاد الحيوية".
وقد يرى كثير من القراء في هذا الكلام محاولة للتقليل من الشأن السياسي لرئيس الجمهورية الحالي ومن شعبيته وكارزميته، بينما يعتقد جل الناس أن ولد الغزواني رجل توافقي بالمعنى الشامل والدقيق للكلمة. ولذلك كان شعاره الانتخابي"مرشح الإجماع الوطني" موفق وصادق إلى حد كبير. فلم يحصل آنذاك على دعم الأكثرية دون استثناء فحسب، بل توافدت عليه أفواج كثيرة وكبيرة من المعارضة. وما زال تيار دعمه الجارف يجري دون انقطاع، إذ أن منافسيه ومعارضيه خلال الرئاسيات يثنون عليه اليوم جميعا لحد مثير للتساؤل حول تطورات المشهد السياسي في البلد:
هل سينتهي بنا المطاف إلى اختفاء المعارضة في ظل نظام الرئيس غزواني؟ أم أن معارضة أخرى في طور التشكل، تحت مظلات غير متوقعة، حيث ينبثق جزء منها من الأغلبية؟ وأين الرئيس السابق وأنصاره من هذا المولود السياسي المعارض ذي الالوان الجديدة؟
لقد عُرف محمد ولد عبد العزيز بروحه القتالية في المجال السياسي وقوة إرادته.. روح يبدو أنه لم يتخل عنها بعد مغادرته السلطة. صحيح أن الظروف وتداعياتها المتسارعة تدعوه للتصرف.
فبغض النظر عن مصداقية أو بطلان تهم "الفساد والرشوة"، التي يتردد فيها اسمه منذ إنشاء لجنة التحقيق البرلمانية، فإنه يتعرض لضغوط وحملات إعلامية شديدة لم يتوقعها أحد ولم يسبق لها مثيل في البلد. ومن الصعب معها على "مقاتل سياسي" مثله، لا يستسلم ولا يركن، خاصة لما يعتبره عدم إنصاف في حقه وإهانة له، أن لا يتصرف؛ حتى ولو كانت المهمة صعبة!
فميزان القوى لا يبدو إطلاقا لصالحه الآن: لا على الساحة الإعلامية ولا في المجال الساسي. ورغم ذلك، يمكنه توظيف الطابع الجدلي لما يوجه له من تهم وانتقادات: لديه أعوان قانونيون متميزون وإعلاميون وسياسيون نافذون يدعمونه. لكن صوتهم خافت نوعا ما مقارنة بخصومهم.
إلى أي حد سيكون بمقدور ولد عبد العزيز أن يعطيهم دفعا ونفسا جديدين وأن يقف في وجه العاصفة المناوئة ؟
لا شك أن مؤتمره الصحفي المقبل سيعطى مؤشرات تساعد على الإجابة على السؤال.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
-------------------------------------------
" بيان
لقد تعرفت على الرئيس الموريتاني الحالي منذ أكثر من أربعين سنة، أي تزامنا مع بداية مشوارنا المهني المشترك في الجيش الوطني، حيث تدربنا معا في عدة مدارس ومعاهد في موريتانيا وخارج البلاد واتسمت علاقاتنا العملية بالتفاهم والصداقة، كما تدرجنا في الرتب العسكرية بصفة شبه متزامنة.
وفي سنة 2005 ونظرا للصعوبات الجمة التي هددت بقاء البلاد، شاركنا إلى جانب مجموعة من الضباط السامين في تغيير أدى إلى إصلاحات ديمقراطية جوهرية ختمت بمسلسل انتخابي كان آخر حلقاته انتخابات رئاسية حرة وشفافة سنة 2007. لقد قدت الحركة التصحيحية سنة 2008، بعد تدهور أوضاع البلاد من جديد بعد دخول "الإخوان" في الحكومة وبعد أن عين الرئيس وقتها قائدا جديدا للأركان العامة، خلفا للرئيس الحالي الذي كان يشغل المنصب وكان موجودا خارج البلاد وقتها. وهكذا أصبحت رئيسا للبلاد وتم انتخابي بصفة ديمقراطية لمأموريتين متتاليتين، ظل الرئيس الحالي يشغل خلالها منصب القائد العام لأركان الجيوش، باستثناء أشهر قليلة قبل مغادرتي طواعية للسلطة احتراما لمقتضيات الدستور، سنة 2019، حيث عينته وزيرا للدفاع الوطني لإعطائه المصداقية السياسية الضرورية كمرشح رئاسي مقبل.
قد عملت جاهدا خلال مأموريتي الأخيرة (2014-2019)، وبصعوبات كبيرة، على إقناع كل الطيف السياسي داخل الأغلبية الرئاسية لترشيح رفيق كنت أعتبره مؤتمنا على مصالح البلاد الحيوية، كما كنت أعتقد أن لديه الإلمام الكافي بخطورة بعض التنظيمات الإرهابية كالإخوان، ليس على استقرار موريتانيا فحسب، بل وعلى الوطن العربي برمته. لقد خضت حملة انتخابية رئاسية ناجحة لصالح الرئيس الموريتاني الحالي، سنة 2019، وسط مزاحمة شديدة من خمسة مرشحين مثلوا جهات سياسية قوية، كان من بينهم مرشح "الإخوان"، وزير أول سابق في الفترة الإستثنائية، حصل على أموال طائلة من جهات خارجية معروفة العداء لأمن واستقرار المنطقة.
وفور تنصيبه رئيسا للبلاد، سافرت إلى الخارج طمأنة له على عدم رغبتي في التدخل بأي شكل من الأشكال في الطريقة التي يريد أن يسير بها البلاد ولم أقترح عليه أي إسم للتوظيف أو أي تعديل. كما أطلعته على المعطيات المالية والاقتصادية للبلاد التي كانت جيدة عموما. لقد اتصل بي مرات وأنا في الخارج، لكنني حاولت دائما أن أفهمه أن الأمر يعود له وله حصريا وأن لا نية لي التدخل له في صلاحياته، لأنني كنت أعتبر أنني أمضيت وقتا كافيا في رئاسة البلاد وأصبحت أود الاستراحة من الضغوط التنفيذية وتعقيداتها، لصالح من اختاره الشعب ديمقراطيا لهذه المهمة.
وفي تصعيد خطير ضدي شخصيا، قررت برلمانيو الأغلبية المحسوبون على الرئيس الجديد، دعم لجنة للتحقيق كان "الإخوان" وبعض حلفائهم قد اقترحوها، وتهدف في الأساس إلى تجريمي حتى قبل الحصول على أي دليل ضدي. وبدأت هذه اللجنة تعمل بصفة انتقائية وتوجيه تهم جزافية إلي وإلى محيطي العائلي، من بينها تهمة بناء على وثائق رسمية قطرية تدعي أنني أهديت جزيرة موريتانية إلى الأمير السابق لهذا البلد وهو طبعا أمر عار من الصحة تماما، يريد منه أهله الإساءة إلي لأسباب تتعلق بخيارات جيوسياسية عندما كنت رئيسا للبلاد.
تقوم هذه السلطات الآن بتجييش أعداد كبيرة من عناصر الشرطة للدخول عنوة ودون تفويض قضائي في منازل أعضاء أسرتي وأقاربي وترويعهم وتصوير ممتلكاتهم الشخصية من بينها سيارات، وبث هذه الصور على وسائط التواصل الإجتماعي تحريضا وتهييجا للشعب ضدي وضد محيطي المقرب.
ومنذ ثلاثة أيام، قررت السلطات إغلاق حزب سياسي، في سابقة لا عهد للبلاد بها، لمجرد أن قادته يعتبرون قريبين مني سياسيا. كما أصبحت تضايق وترهب أي شخص يحاول مساعدتي أو حتى التعامل معي، كما أصبحت تستدعي أعضاء محيطي الأسري وأقاربي وتسبهم وتتهمهم بالفساد، في وقت قررت فيه هذه السلطات إعادة الأسطول التركي إلى مياهنا الإقليمية، هذا الأسطول الذي كنت قد قررت إيقاف الترخيص له بالصيد لاستعماله لأنواع غير مرخصة من شبكات الصيد التي تسبب أضرارا بيئية جسيمة لثروة البلاد السمكية.
وكدليل على التوجيه والاستهداف المسبق في هذه القضية، أن وكيل الجمهورية المكلف بالملف كان قبل اكتتابه في سلك القضاء، يعمل مستشارا لدى حزب "الإخوان" ( تواصل)، كمستشار مكلف بالهيئات الخيرية.محمد ولد عبد للعزيز".
[i] مراسلون: " عزيز: يتحدث عن علاقته بغزواني ويتهمه بالتصعيد ضده والتحالف مع الإخوان / بيان".
[ii] كتب الصحفي محمد عبد الله ولد ممين على صفحته على الفيسبوك، مشككا في صدقية البيان: " أشك في صدقية البيان المنسوب للرئيس السابق.. نظرا لسببين واضحين : - لكونه سيحرق خرجته الاعلامية المرتقبة.. ولعدم علم بعض المقربين والناشطين الاعلاميين ممن تواصلت معهم بالموضوع ".. أما نحن - في موريتانيا المعلومة- فلا نرى مانعا في صدقيته.
تصنيف: