في صياغة المفردات المؤذنة بتحول الحي المتفرد من ذاتٍ إلى موضوعٍ و من إنسانٍ إلى أسطورة ـ تحدث موافقات و صُدف تساعدُ في "سريلة " المشهد. وكانت اليوم رحلة الخطوط الجوية الفرنسية الاربعاء ال16مارس2016و هي تحمل نعش الرجل القضية "بابا مسكة" من باريس ــ التي عاش فيها و عايشها و عاشها سحابة أزهى و أزهر أيام عمره وشهدتْ شوارعها و مسارحها و أنداؤها و محافلها و أرجاؤها مواقفه منسجمها ومتناقضها حلوها و مُرَّها وشهدتْ عليه ــ إحدى تلك الإيحاءات لأنها رحلة العودة الأخيرة التي لا مغادرة بعدها، بعد كَمِّ الذهاب والإياب الذي اعتاده الراحل خلال عمره الحافل. و كأن فرنسا و الفرنسية تعيد إلى بلاده الرجل الذي سكنها و لم يشأْ يوما أن يحمل جنسيتها رغم استحقاقه حيازتها بجميع المقاييس من طول إقامة و لجوء وأنجال يحملون التابعية الفرنسية بالمولد( حق الازدياد على الأرض الفرنسية ) ، وكأنه يُشهد الجميع على تعلقه بتراب البيضان التي حلُم ،ذات طموح مبكر،أن تصبح جمهورية /نموذجا لمشروعه "النهضوي" .
ولقد كان ـ كذلك ـ الطابع "الأهلي" للتوديع وبساطة المراسيم وشعبية الأماكن والطابع "الزاوي" الرصين للمأتم ، من تلك الموافقات التي تتسق مع بساطة المرحوم و تؤثث للمشهد و تؤسسه.
وختمت المشهدية بالدفن صلاة العصر في أقصى الركن الشرقي لأقدم جبانة في "طرفاية المنصور" إلى جانب أمه سويعيدُ بنت بزيد ..و قد وقف ابنه الأكبر الكاتب المعروف "كريم" و صغرى بناته (ليلى) لأُمَّيْن فرنسيتين ، يتلوان الفاتحة على روحه في خشوع هادئ...
تلك خاتمة الوداع الأخير في زمان غير الذي حلُم به و مكان كان "المعرِّي" قد خفف عليه الوطْأَ..
رحمك الله أيها الراحل الكبير ...
المرجع : صفحة ناجي محمد الإمام على فيسبوك
تصنيف: