هل أصبحت القبيلة مجرد إرث ثقافي؟ ( ⃰ )

هل أصبحت القبيلة مجرد إرث ثقافي؟/ سلطان الحويطي( ⃰ )

يقول جبران خليل جبران «ويل لأمة كل قبيلة فيها أمة»، وما ذهب إليه جبران صحيح لأن القبيلة في فترة زمنية ليست بالبعيدة قامت على أيديولوجيا تخول لها أن تأخذ دور الوطن بالنسبة للفرد!
ولكن بعد نشوء الدول العربية بشكلها الحديث وشيوع فكرة الوطنية أخذت سلطة القبيلة تتقلص رغم المحاولات المستميتة من البعض لإعادتها مرة أخرى لاحتواء الفرد.
وإذا أردنا تعريف القبيلة بعد أن استقرت على وضعها الحالي فنستطيع أن نقول إنها مؤسسة اجتماعية مدنية تأخذ شكلا هرميا وتضبطها ضوابط أخلاقية وتقوم بدور حماية الفرد، إلا أنها تبقى مؤسسة تقليدية جمعية الفكر تنتج أنماطا متشابهة من الأفراد، ولهذا يكون ارتباط القبيلة بالإبداع والثقافة ضعيفا جدا، وربما يقول قائل وما علاقة القبيلة بالإبداع والثقافة من الأساس؟
نقول: إن الإبداع والثقافة هما قيمتان أساسيتان في تقدم الأمم، وبما أن القبيلة ما زالت رغم كل شيء مؤسسة اجتماعية قائمة، فيجب علينا أن نقوم بمحاولة استقراء شاملة لكل أبعاد القبيلة سواء كانت أخلاقية أو فكرية أو ثقافية.
وما إن نلقي نظرة سريعة حتى نجد أن القبيلة ما زالت تحارب بنفس أدواتها القديمة للبقاء في عالم حديث منفتح تهب فيه كثير من التيارات الفكرية والثقافية والفلسفية، وهذا ما جعل القبيلة تتنازل عن سلطتها المطلقة ودورها في زرع المثل والقيم التي تتوافق مع توجهها الأخلاقي في نفوس أفرادها، ورغم هذا لا نستطيع أن نقول بأن القبيلة أصبحت مجرد إرث ثقافي، ولكن إذا أرادت البقاء فعليها تجديد أدواتها وإعادة هيكلتها بحيث تكون الثقافة بديلا للحكمة، والإبداع بديلا عن الإقدام.
الفردية ومزاعمها:
يزعم كثير من دعاة الفردية في الغرب أن تحرر الإنسان من الجماعة كان هو مفتاح تقدم أوروبا، وقد ولدت الفردية في أوروبا في القرن الثامن عشر متخفية في رداء الرومانطيقية التي ابتدعها المفكر الفرنسي جان جاك روسو بعد أن تمرد الشعب الأوروبي على كل القوانين، وتلقف بعض المفكرين والمثقفين العرب هذه المزاعم ليشنوا هجوما واسعا على القبيلة لدرجة أنهم رفضوا أن يسموها مؤسسة مدنية، وهذا بالطبع تعصب غير قبلي هدفه تفكيك البنى التقليدية للمجتمع!
ولأن أنصار الفردية لم يشاهدوا الصورة كاملة، وذلك كما أسلفنا بسبب التعصب «الثقافي، الفكري» فإنهم انساقوا خلف دعواهم لا يكترثون للحقيقة بقدر اكتراثهم لتأكيد ما ذهبوا إليه من تصور.
والحقيقة أن الادعاء بأن الفردية هي من أدوات نهوض أوروبا ادعاء باطل، بل إن الفردية كانت وباء على أوروبا، فقد عُطل العقل لصالح المشاعر وقتلت كل ضوابط الأخلاق التي كانت تحكم المجتمع قبل عصر التنوير.
لذا فإن وجود القبيلة أمر مهم جدا بشرط أن يكون بشكل حديث يتناسب مع معطيات العصر، فالقبيلة القديمة كانت تحتفي بمولد شعرائها البارزين لأنهم يشكلون الوسيلة الإعلامية التي تحقق أهداف القبيلة، ولكن لا يصح اليوم أن تحتفي القبيلة بشاعر لأن الشعر لم يعد مكونا من مكونات الثقافة وأعني هنا الشعر الشعبي، ولأن الاهتمام لا بد أن ينصب على الفكر والثقافة والإبداع فهذه المكونات الثلاثة لا بد أن تكون زوايا لهرم المؤسسة القبلية الحديثة إن أرادت احتواء الفرد مرة أخرى.

سلطان الحويطي

--------------------------------------------------------------------

( ⃰ ) المؤلف سلطان الحويطي باحث وأديب من المملكة العربية السعودية  سبق لموريتانيا المعلومة أن نشرت له بعض النصوص

تصنيف: 

دخول المستخدم