لا ينبغي لدعاة سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط، هم وأنصار القضية الفلسطينية، أن يعلقوا آمالا كبيرة على "النوايا الحسنة" التي يعبر عنها الرئيس الامريكي من خلال تصريحاته حول ما يبدو "خلافا عميقا" شبَّ منذ ساعات بينه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. الرجلان متفقان على الهدف الرئيسي: تدمير حماس وتصفية المقاومة الفلسطينية.
لكنهما يختلفان حول الوسيلة.
بايدن يدعم تماما محاربة حماس، لكنه متضايق نوعا ما من تشدد نتنياهو وفريقه؛ حيث أصبح الرئيس الأمريكي محرجا بصورة لم يعد معها يتحمل عدم مراعاة قادة النظام الصهيوني الحاليين للعوامل التي تؤثر سلبا على الرأي العام العالمي، خلال حرب الإبادة التي تدور رحاها اليوم بهمجية في غزة وفلسطين ويشاهدها العالم أجمع، رغم كون بايدن وفَّر لإسرائيل- وبسخاء منقطع النظير- المال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي منذ اليوم الأول من انطلاق العمليات العسكرية.
وهو لا يندم إطلاقا على ما فعل. بل على العكس، ما زال يواصل نفس الدعم والعون اللامشروط، معلنا ومكررا أن همه الشاغل يكمن في أمن الكيان الصهيوني. ولهذا الغرض، فإنه يفضل، ككثير من حلفاء اسرائيل، قادة وسياسيين إمريكيين وغربيين، التعاون مع فريق صهيوني أكثر حكمة وتبصرا من نتنياهو وحكومته. فريق يأخذ حقا في الحسبان التغيرات الجيوسياسية الضاغطة التي تضع حدا متزايدا لقوة ونفوذ الولايات المتحدة والغرب عموما بسبب الإكراهات الإعلامية والدبلوماسية الناشئة عن ثورة تكنولوجيا الاتصالات التي غزت كل البيوت. وارفع القبعة هنا لقنوات رائدة مثل الجزيرة. فلا غرو إنْ ناصبها الجيش الإسرائيلي العداء أكثر من مرة على لسان اسلحته القاتلة، وإنْ كان أكبر عدد من ضحايا الحرب الإعلاميين ومن أسرهم في صفوف موظفيها.
لكن، هذه الإكراهات لا دليل على أن اليمين الصهيوني المتطرف يأبه بها كثيرا، بينما نراها تشغل بال بايدن بشكل لم يعد من الممكن سكوته عليه. بل، فمن غير المستغرب أن نتنياهو ومن هم على خطه السياسي المتشدد ربما يزرعون الأشواك، بتجاهلهم لها، على طريق الرئيس الامريكي الحالي؛ لعل ذلك يساعد في إزالته من الحكم خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالح صديقهم المتطرف دونالد ترامب.
ولو أن تصرفات مناوئة للمرشح الديمقراطي، أيا كان مصدرها، لن تعين كثيرا على بقاء نتنياهو في السلطة. فأيامه في الحكم معدودة، ليس بسبب الفشل الذريع لسياسته الأمنية كما فضح "طوفان الأقصى" مدى هشاشتها فحسب، بل لأنه أيضا موضوع متابعات قضائية تنال كثيرا من أهليته للقيادة ومن مصداقيته السياسية. ويشير جل المراقبين للشأن الإسرائيلي إلى أن تشبثه بمواصلة حرب الإبادة على غزة يدخل ضمن محاولاته الفرار ما أمكن من القضاء.
ومن جهة أخرى، فمن المثير للانتباه أن دونالد ترامب يشترك معه في هموم مماثلة: يواجه هو الآخر ملفات قضائية شائكة يستخدم بدوره موقعه السياسي كمترشح وكرئيس سابق للفرار منها. كما أنه يعمل جاهدا على اقصاء الفلسطينيين مما يعتبره هو "حلا" لقضيتهم.
هل يوجد تنسيق أو تعاون بين الرجلين؟
الرئيس الأمريكي الأسبق ورئيس الوزراء الإسرائيلي يلتقيان فعلا في نقاط تقاطع مشتركة، قد أشرنا إلى بعضها: التطرف- اقصاء الفلسطينيين-الهموم القضائية. لكنها لا تكفي للجزم بالتعاون فيما بينهما. غير أنه مهما بدت الفرضية غير واردة، فلا يمكن استبعادها تمامًا: روح المؤامرة حاضرة بقوة في مذاهبهم الفكرية.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: