تستخدم الإدارة الأمريكية وحلفاؤها -القادة الأوروبيون وغيرهم- لغة راديكالية وعنيفة عندما ينددون بتعليق روسيا ’’لاتفاقية حبوب البحر الأسود’’. نبرة خطابهم المتشددة لا توحي بأنهم يبحثون حقا عن مخرج دبلوماسي يُبقي على الاتفاقية. بل ربما يريد جو بايدن وحلفاؤه عكس ما يظهرونه: استفزاز فلادمير بوتين ودفعه، فيما يعتبرونه ’’هروبا إلى الأمام’’، إلى التخلي عن اتفاقية الحبوب نهائيا مع ما لذلك من عواقب وخيمة على الأمن الغذائي العالمي في الدول التي تعتمد على استيراد الحبوب وعلى رأسها البلدان الإفريقية والعربية. وتأمل الولايات المتحدة ومن هم إلى جانبها من وراء مناورتهم غير المعلنة عزل روسيا دوليا وتوسيع دائرة الحلف المعادي لها. وهذا ما يُفهم من كلام مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفانة لما هدد روسيا ، قائلا إن ’’انسحابها (من اتفاق تصدير الحبوب ) سيعود عليها بتكلفة دبلوماسية كبيرة جدا’’.
إلى أي حد ستنجح المناورة؟
من الصعب أن يقع بوتين في الفخ بهذه السهولة، وهو يعلم أن المتضررين الرئيسيين من تعليق الاتفاقية ليسوا هم من يحاربونه. لكن ما هي سعة هامش المناورة لديه؟ هل سيعود إلى الاتفاقية بدون شرط ولا قيد؟
أم أنه سيقاطعها ظاهرةً لإيهام أعدائه بالوقوع في شراكهم، كما أوهمهم بسهولة ’’الهجوم العسكري الأوكراني المضاد’’ الذي يتبين شيئا فشيئا أنه بعيد كل البعد مما كان زيلنسكي وداعموه يتصورونه؟
وفي هذه الحالة، ربما تظهر لاحقا مؤشرات تشي بملامح مناورات ’’اتفاقية الحبوب’’ الخفية التي يجريها الطرفان المتحاربان: بوتين وبايدن. في انتظار ذلك وبعده، هل لنا -في موريتانيا- من سبيل لمواكبة الأحداث دبلوماسيا، ولمسايرة تداعياتها بالنسبة للسوق الداخلية؟
الجزء الأخير من السؤال هو ما ادعو إلى العمل عليه، بوصفي مستهلكا يعيل أسرة. أما النواحي الجيوسياسية للموضوع، فقد يكون أهل مكة - اعني الخبراء في العلاقات الدولية والعلوم السياسية- أدرى بشعابها.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: