على إثر لقاء الرئيس الموريتاني مع شخصيات دينية بارزة في البلد حول ما صار يعرف لدى القضاء ب"قضية ولد امخيطير" وب"قضية المسيء" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثرية الأوساط الشعبية والإسلامية، صدرت عن بعض الشخصيات التي حضرت اللقاء وعن آخرين لم يحضروه ردود فعل متباينة كان من اشملها وأكثرها تفصيلا ورسمية ما أعلنه الشيخ محمد الحافظ النحوي، رئيس التجمع الثقافي الإسلامي.
ففي بيان صادر عن الهيئة التي يقودها، وموقَّع باسمه، طالب باتخاذ إجراءين يبدوان متكاملين في حين تكتنفهما مفارقة زمنية هامة تشكل عائقا ظاهريا يحول دون تنفيذهما في آن واحد: أحدهما يتطلب وقتا معتبرا.. بينما الثاني مستعجل جدا.
يتمثل الطلب الأول في دعوة " رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز إلى استكمال المشاورات وبشكل مستعجل لتشمل أوسع قدر ممكن من علماء الوطن البارزين حتى يكون أي موقف يتوصل إليه ممثلا للرأي العام الفقهي في البلد." وكلنا نعلم أن "العلماء البارزين" في البلد ما شاء الله كثر.. ويتفاوتون كثيرا من نواحي مختلفة ومتعددة. جمعهم بسرعة خلال أسابيع قليلة بغية الحصول على موقف ديني توافقي أو إجماع حول "قضية ولد امخيطير" الشائكة والمثيرة للجدل، بدرجة لا تخلو من مخاطر جمة، ليس عملا يسيرا..
بل إن الأمر يبدو مستحيلا لأول وهلة، بالنظر إلى الفترة الزمنية المتوفرة تبعا للاقتراح الثاني الذي تقدم به الشيخ النحوي والقاضي بالطي النهائي للملف قبل استلام ولد لغزواني للسلطة. يقول الشيخ النحوي :
" ندعو رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وأجهزة الدولة القضائية والتنفيذية والعلماء إلى التعاون من اجل حسم هذه القضية حسما كليا قبل أن يتسلم الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني مسؤولياته مساهمة في تنقية الأجواء وفي التمهيد لانطلاقة مسيرة تمهد لمرحلة جديدة من مراحل الحياة العامة في البلد".
ولا يخفى على الشيخ النحوي أن حفل استلام الرئيس الجديد المنتخب لمهامه مقرر في بداية الشهر المقبل، أي في ظرف ثلاثة أسابيع. وهي مدة قصيرة لا تكفي لتنظيم نقاش واسع وعميق يعبئ "أجهزة الدولة القضائية والتنفيذية" وعشرات- بل مئات- العلماء الموريتانيين الذين سيأتون من جميع أنحاء الوطن الممتدة على أكثر من مليون كم مربع. وهذا بغض النظر عن المخرجات التي سيتمخض عنها اللقاء. فأحرى إن كان التوافق والإجماع هما ما يرجى من هذا الجمع الغفير المتنوع المشارب والمتباين التوجهات الفكرية والفقهية والسياسية!
ولكن المثير للانتباه أن قراءة بسيطة بين السطور تبين أن الاقتراحين، رغم تنافرهما الظاهري، متكاملان في جوهرهما.. ويشكلان مجال تقاطع بين رؤية الرئيس محمد ولد عبد العزيز وما ذهب إليه رئيس التجمع الثقافي الإسلامي. ففعلا اقتراح الشيخ النحوي يبدو بمثابة تأييد وتأكيد ضمنيين لنجاعة وسلاسة الطريقة التي اتبعها الرئيس المنتهية ولايته.
فمحمد ولد عبد العزيز مصر فيما يبدو على أن لا يترك هذه التركة العويصة لخلفه وصديقه ورفيق دربه، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.. وعلى أن يشارك "الرأي العام الفقهي" –كما قال الشيخ- في حلها، حسب ما تقتضيه الاكراهات الزمنية والمكانية، وأن يطوي الملف نهائيا قبل تنصيب الرئيس المنتخب. والخطوة التي اتبعها ما هي إلا تجسيد على أرض الواقع لما أفصح عنه بصورة عامة وبشكل رسمي رئيس التجمع الثقافي والإسلامي في بيانه.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: