مقابلة مع الرئيس عزيز : مكافحة الإرهاب؛ تغيير الدستور، مذكرة اعتقال دولية للمصطفى الإمام الشافعي، العلاقات مع ولد بوعماتو...

و م أ   -  نعيد اليوم على موقع الوكالة الموريتانية للانباء نشر المقابلة التي أجرتها يومية "لوبنيون" الفرنسية في عددها رقم 764 الصادر بتاريخ الاثنين مايو 2016 مع فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز
وفيما يلي نص المقابلة:

"الرئيس الموريتاني رجل صارم وشجاع وقائد يتمتع بقوة الشخصية يرد للرأي العام على الانتقادات الموجهة إليه ويتحدث عن علاقاته الأمنية مع فرنسا وتصميمه على مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. 

لوبنيون: تعرضت موريتانيا سنتي 2005 و2009 إلى هجمات جهادية. ترى ما هي الوضعية الأمنية الحالية للبلد؟

رئيس الجمهورية:  قمنا ابتداء من سنة 2008 بإعادة هيكلة قواتنا المسلحة كي تتكيف مع الوضع الحالي للإرهاب الذي تغير باستمرار. وقمنا بتطهير كل الجيوب الإرهابية وقضينا على قواعدها في شمال البلاد. 
ألقينا في هذا الإطار القبض على العديد من جهاديي القاعدة في المغرب الإسلامي فهم في السجون وقد حكم عليهم بالإعدام وتمكنا كذلك من سجن عشرات السلفيين.
لقد تمكنا من تأمين حدودنا وأقمنا منطقة عسكرية، يحظر الدخول إليها وأنشأنا 36 نقطة عبور لبلادنا الشيء الذي يسمح لنا بمراقبة تحركات الجماعات المسلحة والمهاجرين ومهربى البضائع. ولم نتعرض لهجمات منذ 3 سنوات. 

لوبنيون: هل ترون ما يبرر إبقاء الخارجية الفرنسية لموريتانيا ضمن ما يسمى بالمنطقة الحمراء؟ 

رئيس الجمهورية: إنها رؤية السلطات الفرنسية وهي بعيدة اليوم عن الحقيقة. لقد تم إبعاد الخطر عن البلد مع علمنا أن زوال كل خطر أمر غير واقعي كما تشهد على ذلك الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها بلدان كثيرة في العالم. نحن نقوم بجهود ونعبئ كل الوسائل لضمان الأمن. 

لوبنيون: ذكرت مؤخرا وكالة إعلامية، مستندة إلى وثيقة عثر عليها في باكستان خلال العملية العسكرية الأمريكية ضد بن لادن أن حكومتكم كانت قد عقدت اتفاقا لعدم الاعتداء مع القاعدة في المغرب الإسلامي مقابل حصول هذه الأخيرة على مبلغ سنوي يبلغ 20 مليون دولار..؟ 

رئيس الجمهوريةجرى الحديث عن وثيقة اتفاق تم بين بن لادن وموريتانيا سنة 2010 وكنت آنذاك في السلطة. هذه الوثيقة لا أساس لها من الصحة. لم يكن بوسعنا سنة 2010 أن نعرف أين مكان وجود بن لادن ولم يكن الأمريكيون يعرفون مكانه أيضا. 
لم ندفع قط دولارا واحدا للقاعدة في المغرب الإسلامي ولم نطلق سراح سجين واحد. كلهم في السجون عدى بعض التائبين الذين أفرج عنهم بعد انقضاء فترة حكمهم.
لم نستجب كذلك لطلبات قدمت إلينا من طرف دول صديقة للإفراج عن سجناء مقابل إطلاق سراح رهائن.. ألم يكن من المفترض أن تعدل القاعدة بموجب هذا الاتفاق عن مهاجمة موريتانيا؟ لقد تمكنا خلال هذه الفترة من إحباط هجوم على نواكشوط كان يستهدف إحدى السفارات ووزارة الدفاع وهذا ما يفند بالطبع وجود اتفاق كهذا. لقد طلبت من السفير الأمريكي نسخة من هذا الاتفاق وتوضيحات حول الموضوع. من الذي حرر ووقع هذا الاتفاق؟ الأمريكيون أوضحوا لنا أنهم لم يروا هذا الاتفاق.

لوبنيون: لازال تطبيق اتفاق السلام بين الفرقاء الماليين يراوح مكانه، هل من تفسير لذلك؟

رئيس الجمهورية: إنه ملف معقد للغاية إذ كان قائما منذ فترة الاستعمار، فبوصفنا بلد مجاور وشريك في مجموعة دول الساحل الخمس ومنظمة استثمار نهر السنغال لا يمكننا تجاهل ما يجري في مالي حيث تعيش نفس المجموعات في طرفي الحدود ولا يمكن أن يتم الحل بمجرد توقيع اتفاق ويقتضي الأمر أن يبذل الطرفان الكثير من الجهود والكثير من التضحيات. وعلى الحكومة المالية أن تعمل المزيد لصالح سكان البلد. هناك بعض الجماعات المسلحة التي تطرح مطالب غير معقولة، حمقاء ويستحيل تحقيقها إذ تتضمن تجزئة البلد. لا بد لهذه الجماعات أن تكون واقعية أكثر، وأن تأخذ بعين الاعتبار قدرة السلطات المالية ومع ذلك فهي محقة في مطالبتها بالولوج إلى الماء الشروب والكهرباء والصحة والتعليم والتمتع بالبني التحتية. 
وتضاف إلى هذا مشكلة الإرهاب الدخيلة على البلد والتي يجب أن تتم معالجتها. لقد وجد الإرهابيون في الشمال المالي أرضية خصبة لتنامي أنشطتهم فهم يزدهرون في المناطق التي ينعدم فيها الأمن. لقد تساهل الماليون كثيرا مع الأمر خاصة في عهد الرئيس السابق آمادو توماني توريه بإبرامهم تحالفا مع الجماعات الإرهابية.

لوبنيون: هل تتحمل فرنسا مسؤولية في الأزمة المالية التي قادت إلى التدخل في ليبيا؟

رئيس الجمهورية: بإمكان البعض أن يخلص إلى ذلك لكن الأمر كان قائما رغم أن الأزمة الليبية زادت بخمسة أضعاف القدرات العسكرية للإرهابيين الذين تزودوا من مستودعات أسلحة وتجهيزات القذافي. إنها كارثة بالنسبة للمنطقة، شأنها في ذلك شأن كل الثورات العربية التي حدثت. لقد ارتاحت لها دول الغرب معتقدة أنها ستفتح المجال أمام ظهور دول علمانية وديمقراطية واختفاء المستبدين. وفى الأخير حدث الأسوأ. عمت الكارثة لتمتد إلى الغرب. أنا لا أفضل المستبدين لكن يجب أن نختار الأقل سوء من بين حالتين سيئتين. لو كانت سوريا لم تتعرض لاضطرابات لما حصلت هجمات في فرنسا.

لوبنيون: هل بلادكم عضو في عملية برخان للتدخل في الساحل؟ 

رئيس الجمهورية: لسنا شركاء في عملية برخان ولا نقوم بأي عملية مشتركة مع القوات الفرنسية لكننا مع ذلك نقيم تعاونا جيدا مع الجيشين الفرنسي والأمريكي ونتبادل المعلومات الاستخبارية مع السنغال ومالي وبلدان أخرى. هناك مكونون فرنسيون في أطار. على الأفارقة أن يتحملوا عبء أمن دولهم ولو اقتضى الأمر التعاون مع غيرهم. سنواصل تجهيز قواتنا. ففي هذا الإطار اقتنينا سفينتي رصد لتأمين مياهنا الإقليمية ومراقبة حركة الهجرة السرية والتهريب والقرصنة. 

لوبنيون: لماذا تم إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس وهل هي أداة للتعاون المؤسسي في مجال التنمية والأمن؟

رئيس الجمهورية: نواجه في دول الساحل نفس مشاكل الإرهاب والجفاف وانعدام الأمن والتهريب بشتى أصنافه. تمكننا هذه المنظمة التي أنشئت قبل سنتين ونصف من تجميع الموارد وتأمين بلداننا وتلبية حاجيات مواطنينا. يتواصل بيننا تبادل المعلومات المرتبطة بالأمن وقد عقدنا حتى الآن قمتين في نواكشوط وانجامينا كما ننوي الآن تشكيل قوة تدخل قوامها 1.000 جندي لمحاربة الإرهاب والتهريب.
هناك تحديات كبيرة لا بد من مواجهتها خاصة في مالي. لا بد لنا من تسوية بعض القضايا القانونية مع مالي والأمم المتحدة قبل البت في التدخل في بلد توجد به قوات أممية. نحن بحاجة إلى تفويض قوي لأننا لا نريد أن تكون مهمتنا مجرد عملية لفك الارتباط.
تمكنا كذلك من توطيد علاقاتنا على المستوى الاقتصادي والتنموي وبهذا الصدد ننوي إطلاق شركة إقليمية للنقل الجوي يشارك فيها خصوصيون كما نعمل على إقامة مشاريع أخرى. 

لوبنيون: السلطات الموريتانية تتعرض بصفة منتظمة لانتقادات منظمات حقوق الإنسان لسماحها باستمرار العبودية؟

رئيس الجمهورية: نحن نعيش فى بلد ديمقراطي ونستمع إلى ما يقال من حولنا حتى وإن كان ما يروجه عنا الكثير من الناس مجرد أقاويل. أين كان المناهضون للعبودية قبل 20 أو 40 سنة. كان هناك الكثير من العبيد في تلك الحقب ومخلفات كثيرة وبادية لهذه الظاهرة إلا أنه لم يكن هنالك أحد يتحدث عنها.
إن هذا الشخص (في إشارة إلى بيرام ولد الداه ولد أعبيدي مؤسس الحركة الإنعتاقية) الذي يتباهى بمحاربة العبودية كان كاتب ضبط في المحاكم وملحقا بديوان رئيس الوزراء وعضو في هيئة لحقوق الإنسان ويتقاضى ثلاثة رواتب. ورغم هذا كله لم يهتم بهذه القضية إلا منذ سنوات قليلة عندما شرعنا في إصلاح الوضعية المالية للبلد الأمر الذي أثر سلبا على الرفاهية التي كان ينعم بها. 
ترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2014 ولم يحصل إلا على 8 في المائة من الأصوات مع العلم أنه كان سيحصل على أقل من 2 في المائة لو كان هناك عدد أكثر من المرشحين. 

لوبنيون: هل هذا ما برّر إلقاؤه في السجن؟ 

رئيس الجمهورية: لم يكن الرئيس من أمر بسجنه. لقد أوقفته القوات الأمنية إثر مظاهرة فحررت محضرا بهذا الشأن فحكمت عليه المحكمة بالسجن على ذلك الأساس سنتين. ونفس القضاء هو من أمر بالإفراج عنه بقرار من المحكمة العليا. 

لوبنيون: يدين التقرير الأخير للأمم المتحدة مصير الحراطين (المنحدرين من العبيد السابقين) والموريتانيين الأفارقة المتمثل في إقصائهم من العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ 

رئيس الجمهورية: ليست الأمم المتحدة كمنظمة من اتخذ هذا القرار لكنه تقرير صادر عن شخص واحد (في إشارة إلى فليب آلسنتون، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الفقر المدقع وحقوق الإنسان) الذي أساء بتصرفه إلى بلادنا. لقد تبنى المواقف نفسها سنة 1995 ويضمر حقدا دفينا لموريتانيا. لم يلتق من بين منظمات المجتمع المدني من يعتمد على كلامه. لقد استقبلت بالماضى عدة مبعوثين من الأمم المتحدة وكذلك أمناء عامين لهذه المنظمة. هذا ليس الموقف الرسمي للمنظمة. لا يوجد بموريتانيا عبد في الأغلال ولا سوق للنخاسة. الاستعباد أضحى جريمة. فقد تمت مؤخرا إدانة شخصين في الشرق الموريتاني لقضايا مرتبطة بالعبودية وقعت خارج بلادنا غير أنني أعترف بوجود تفاوت مرتبط بالبؤس والفقر. إنها مخلفات للعبودية لا تخص موريتانيا وحدها، هذه هي الحالة أيضا في الولايات المتحدة. هنالك أشخاص تربوا مع أسر أهملتهم فحرموا من التعليم غير أن أبناء أسر مورست عليها العبودية تمكنوا من الاندماج في الحياة النشطة.
وأشير هنا إلى أن أناسا ينحدرون من أسر الأسياد ولم يتعودوا على العمل أصبحوا اليوم يعانون الفقر. هناك كلام كثير حول العبودية لأنها أصبحت سلعة للبعض. 

لوبنيون: أعلنتم في الثالث من مايو الماضي عن تنظيم استفتاء حول الاستغناء عن مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس جهوية. ما الذي تقصدونه من وراء هذا المشروع؟

رئيس الجمهورية: مجلس الشيوخ يكلف الدولة نفقات كبيرة. فيمكننا بمجرد إلغائه إنشاء مجالس جهوية قادرة على الاهتمام بتنمية البلد. الولايات الداخلية عانت كثيرا من التهميش منذ الاستقلال. 
اهتم من سبقني من الرؤساء بالتركيز على العاصمة نواكشوط التي يقطنها ثلث السكان وجميع المرافق العمومية. بالنسبة لي اللامركزية هدف لا بد من تحقيقه وكذلك خلق فرص للعمل والولوج إلى خدمات تعليمية واجتماعية. 

لوبنيون: تحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة عن تعديل دستوري يسمح برفع التقييد المرتبط بممارسة السلطة (التقييد المتعلق بمأموريات الرئيس)؟ 

رئيس الجمهورية: القضية لا تعدو سوى ردود وزيرين على استفزازات قام بها أعضاء من المعارضة يبحثون بكل الوسائل منذ ظهور الثورات العربية عن طريقة لزعزعة استقرار البلد. وقد أضحوا يتحدثون اليوم عن فرضية إقدامي على تغيير الدستور لأتمكن من الترشح مجددا. هذا الأمر لا يوجد إلا في أذهان هؤلاء فأنا لم ينقض من مأموريتي سوى سنة وتسعة أشهر. 

لوبنيون: هل تعتزمون تغيير الدستور؟

رئيس الجمهورية: لم أقل قط أنني سأغير الدستور. سبق لي أن أديت قسمين على احترام الدستور وهذه أقوى بكثير مما يمكنني قوله في المستقبل. 

لوبنيون: لماذا تدعون المعارضة إلى الحوار؟ 

رئيس الجمهورية: أسعى لجعل المعارضة تشارك في الحوار السياسي. هناك أحزاب كثيرة قاطعت الانتخابات الأخيرة. فمن المهم مشاركة الجميع لترسيخ الديمقراطية في البلد. كل الحريات مصانة ولا يوجد لدينا سجناء سياسيون.

لوبنيون: وجهت موريتانيا مذكرة اعتقال دولية للمصطفى الإمام الشافعي الذي ينتقل بالدوام في إفريقيا والشرق الأوسط، وهو مستشار للرئيس البوركنابي السابق ابليز كومباوري؟ 

رئيس الجمهورية: تقول العدالة إنه متورط في قضايا ذات صلة بالإرهاب من خلال نشاطاته وسلوكه. وجهنا مذكرة اعتقال دولية بخصوصه وما زلنا ننتظر تنفيذها الذي هو من مسؤوليات الدول. 

لوبنيون: يعيش رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في المنفى بالمغرب حيث يمول صحافة معارضة. هل بإمكانه العودة إلى موريتانيا؟ 

رئيس الجمهورية: لم نمنعه يوما من العودة فأقاربه يقيمون هنا وليس مطلوبا للعدالة فهو من اختار لنفسه هذه الوضعية. أعماله لا زالت تسير على ما يرام. تم توقيف شخص واحد من بين معاونيه على خلفية إفلاس شركة للطيران وتم إطلاق سراحه فيما بعد. البعض ينتقده على ما يصدر عنه من كلام في الخارج. فبإمكانه التفوه به هنا فنحن لا نوقف الصحفيين في هذا البلد مهما تضمنت كتاباتهم من أمور.  

لوبنيون: سبق له أن موّل حملتكم الرئاسية. ما الذي حصل حتى ساءت العلاقة؟ 

رئيس الجمهورية: كان مرتبطا بالحكم الماضي. جاء إلي وموّل حملتي فكان سندا قويا إلا أن هذا لم يكن مبررا لأقبل بمواصلة تدمير بلدي. لم يكن يدفع الضرائب وكانت الدولة ضعيفة في وجه رجال الأعمال. الوضعية تختلف اليوم والعكس هو السائد. فرجال الأعمال يتمتعون بحقوق لكن ليس بمقدورهم فعل ما يصبو لهم. 

لوبنيون: الشركة الأمريكية "كوسموس" أعلنت مؤخرا عن اكتشاف مخزون هائل من الغاز الطبيعي على الحدود المشتركة بين موريتانيا والسنغال. هل تسعون إلى استغلال مشترك لهذه الثروة؟ 

رئيس الجمهورية: العلاقات بين بلدينا ضاربة في القدم وتقع علينا مسؤولية مواصلة وتحسين هذه العلاقة هذا واجبنا اتجاه الرئيس السنغالي ماكي صال واتجاه أجيال المستقبل. سنعمل على تقاسم هذا الحقل الغازي الكبير والحيوي لتنمية بلدينا. ولا يوجد مبرر لتأخير استغلاله بسبب خلافات لا معنى لها. ونود أيضا أن نطمئن الممولين الذين سيضخون 10 مليارات دولار في هذا المشروع وتعمل شركتينا الوطنيتين الآن على تبادل المعلومات بهذا الخصوص".
 

تصنيف: 

دخول المستخدم