لحسن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
حياكم الله مشاهدينا الأعزاء مشاهدي قناة الوطنية، وأهلا وسهلا بكم في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي "ضيف وقضية".
تستمر سلسلة الحلقات التي نستضيف فيها الأديب والمحامي والسياسي محمدٌ ولد إشدو؛ والتي نحدث فيها مع ضيفنا العزيز عن أبرز محطات التاريخ السياسي الموريتاني، بالإضافة إلى أبرز محطات الواقع السياسي الحالي للبلد. وقد مررنا في الحلقة الماضية من هذا البرنامج بعدة محاور تتعلق بحرب الصحراء التي شهدتها البلاد؛ والتي كان لها ما بعدها في إطار التاريخ السياسي الموريتاني. وسنحاول في هذه الحلقة – بإذن الله تعالى- أن نخوض في عدة نقاط متقدمة من التاريخ السياسي الموريتاني، بداية من الانقلاب الذي شهدته البلاد سنة 1978، والتحول الذي تلا ذلك الانقلاب العسكري حينها، وسنمر أيضا بمراحل مهمة من التاريخ السياسي الموريتاني متعلقة بالسادس من إبريل والسادس عشر من مارس إلى عديد الأحداث السياسية المتتابعة بعد ذلك.
كل ذلك سيكون طبعا بشهادات وحديث مستفيض من ضيفنا العزيز، الأديب والسياسي والمحامي محمدٌ ولد إشدو، الذي نرحب به في بداية هذه الحلقة.
أهلا بكم يا أستاذ.
ذ. إشدو: أهلا بكم، وأهلا بالمشاهدين الكرام، وسوف أحاول – كما يعلمون، وكما قلت لكم- أن أدلي بهذه الأمانة بكل موضوعية - إن شاء الله- كما رأيتها أو سمعت عنها.
لحسن: إذن سنبدأ الحلقة بالمحور الأول الذي توقفنا عنده في الحلقة الماضية؛ والمتعلق بالإرهاصات الأولى لانقلاب 1978 الذي ربما كان مرحلة فاصلة في التاريخ السياسي الموريتاني، أسميتموها أنتم بمرحلة التيه إن صح التعبير. أولا ما هو المقصود من الاسم الذي أطلقتموه على تلك المرحلة؟ ثم ما هي الأسباب الحقيقية والدوافع وراء انقلاب 1978؟
ذ. إشدو: السبب الذي حملني على تسميتها مرحلة التيه – والتيه هو "اذهاب" بالحسانية، وهو أن تضل الطريق وتضيع- هو أن هذا المجتمع الموريتاني انطلاقا من مؤتمر ألاگ انتهج منهجا واضح المعالم، تمثل فيما سميته إرهاصات بناء دولة. وشاء الله تبارك وتعالى أن تبنى تلك الدولة في ظروف صعبة، ومن عدم تقريبا، وأن يرتفع بناؤها حتى كاد يكتمل. وفي مرحلة من المراحل تتخذ سياسات خاطئة تؤدي إلى سياسات أخرى أفدح خطأ، وإلى انقلاب عسكري شكلا – وهذا أساسي فيما سأتناوله- ومدني جوهريا، يحيد بها عن نهجها المتبع ويسير بها نحو الضلال والضياع؛ وهذا ما سميته أنا التيه.
ما بين 10 /7/ 1978 و 3 /8/ 2005 أعتبره تيها دخلته الأمة الموريتانية وعانت فيه الكثير من الضياع وانخرام القواعد التي كانت قائمة عليها، والتمزق.. إلخ. والحمد لله على بقائها متماسكة. سميت هذا تيها لأننا بدل المواصلة على المنهج الأبيض الذي انتهجناه في البداية انتهجنا في مرحلة من المراحل ما يسميه البيضان "خط ولد فزفاز" وسرنا نَعْمَهُ.
هذا ما أردت تناوله.
لحسن: قبل أن تعبروا إلى أسباب الانقلاب أريد أن نقف عند هذه الرؤية التي قدمتموها؛ والمتعلقة بتفصيل دلالة الاسم الذي أطلقتموه على المرحلة حين سميتموها بمرحلة التيه.
حين نتحدث بشيء من الواقعية ألم يكن مع مجموعة الضباط الذين انقلبوا على الحكم حينها شيء من الحق لَمَّا أطلقوا على أنفسهم اسم المجلس العسكري للخلاص أو المجلس العسكري للإنقاذ.. أو ما إلى ذلك من الكلمات التي تتعارض مع التسمية التي أطلقتموها على هذه المرحلة؟ ألم تكن البلاد في حاجة إلى من ينقذها من مخالب هذه المعركة التي دخلتها، والتي هي محسومة سلفا على ما يبدو؟
ذ. إشدو: سأفصل لك ذلك بإذن الله. أولا أود أن أبدأ بأبيات من قصيدة ربما نتناولها فيما بعد، سبق أن قلتها بمناسبة حادث طائرة تجگجه المؤسف، لكن فيها بيتين عن عاشر يوليو أود إيرادهما هنا. أخاطب في القصيدة تجگجه، وأستعرض مسيرة المجتمع والدولة الموريتانيين.. إلخ. في مرحلة من المراحل أقول:
"حُلُمُ الجمع" كان بابَه أباه ** قبل هذا وحرمه نجل ببانا
وابن داداه قد رعاه وأرسى ** صرحه ثم أتـــقن البنيانا
وعندما أصل إلى العاشر من يوليو أقول: أقبل الليل فجر يوم حزين.. الليل حل مع الفجر!
أقبل الليل فجر يوم حزين ** فنسينا المنى وذقنا الهواناإلى أن أقول:
لجنة بعد لجنة بعد أخرى ** نخرتنا.. طبيعة وكيـــــانا!
لجنة الإنقاذ ولجنة الخلاص وغيرهما، لجنة تأتي بعد لجنة.. لكن الجوهري في هذا إنما هو أسباب الانقلاب وطبيعته؛ وهذا ما سأتحدث عنه.
أسباب الانقلاب
أود القول إن أسباب الانقلاب – ولعلي سبق أن أشرت إلى ذلك- هي وطأة الحرب التي دخلتها موريتانيا دون أن تكون مهيأة لها وكان بإمكانها تجنبها. وكانت وطأتها شديدة؛ فالحاء لا يتلوه إلا الخاء. والحرب لا يتلوها إلا الخراب!
أضف إلى ذلك أنه بعد مؤتمر بشار بين المرحومين الرئيسين المختار ولد داداه وهواري بو مدين وقد تضمن اصطداما بينهما؛ فالمختار "مرابط" لكنه صلب وقوي الشخصية، لا يلين إلا إذا كان بالتي هي أحسن. والمرحوم هواري بو مدين ربما كان قد هدده وتوعده إن لم يرجع عن قراره.
بعد مؤتمر بشار إذن تبنت تلك الجهة والأداة الفاعلة للبوليزاريو - كما ذكرت في الماضي- سياسة الحلقة الضعيفة؛ فقد رأت موريتانيا الحلقة الضعيفة، وعليه ينبغي التركيز عليها بكل ما يمكن؛ بما فيه سياسة الأرض المحروقة كما أسلفت. هذا أحد أسباب الانقلاب: شدة وطأة الحرب.
من أسبابه أيضا وجود بعض العسكريين الموريتانيين في الجبهات الذين أصبح لديهم من التخوف – أو الواقعية الزائدة- ما يمكن وصفه بالانهزامية فصاروا يرون أن الحل هو ما قلتموه أنتم؛ إننا خاسرون في الحرب فينبغي أن ننقلب على السلطة التي تقود الحرب لعلنا نجد مخرجا في ذلك.
إذن فالسبب الثاني كان انهزامية بعض العسكريين. وأقول: "بعض العسكريين" لأن الجيش الموريتاني لم يكن انهزاميا في أغلبيته، وقدم آيات التضحية التي ما تزال غير معروفة، كما أن به الكثير من الجنود المجهولين والضباط المجهولين والقادة المجهولين. وقد برز قادة عمالقة في تلك الحرب؛ كفياه ولد المعيوف أطال الله بقاءه، واسويدات ولد وداد رحمه الله، وكمحمد ولد الأكحل، والرئيس أحمد ولد بسيف رحمه الله.
هؤلاء الذين برزوا في الحرب لم يكن أحد منهم انهزاميا ولم يشارك أحد منهم في الانقلاب، وأغلبية قادة الجيش لم تكن مساندة للانقلاب.
السبب الثالث – والأساسي- هو استغلال اليمين الموريتاني للوضع. وأعني باليمين من لا يساندون السياسات الوطنية التي اتبعت، ولا الابتعاد عن فرنسا ولا الديمقراطية ولا التحالف الذي قام بين يسار حزب الشعب ووسطه وبين الشباب عموما، وخصوصا الحركة الوطنية الديمقراطية وحزب الكادحين.
استغلال هؤلاء للوضع وما رأوا فيه من فرصة مواتية لهم لاستلام السلطة، ومن تولى السلطة أمكنه القيام بما يريد؛ وهذا ما فعلوه حين استلموها، فقد انتهزوا وحلفاءهم الفرصة واستغلوها. وهذا أحد أسباب الانقلاب.
لحسن: هل كانوا ضالعين في التخطيط له؟
ذ. إشدو: بالتأكيد.. فهم صانعوه، وسأصل إلى ذلك.
تصنيف: