متى، أو حتى لا نقول: مع الأسف...!

عبارة جوهرية دائما غائبة في المشهد السوداني، من البيانات والإعلانات الصادرة عن المتناحرين. لماذا لا يستخدمها الجنرال عبد الفتاح البرهان وانصاره ولا قوات "الدعم السريع"؟ فأي عبارة أكثر ورودا من "مع الأسف" على ما يجري في وطنهم وعلى أيديهم ! 

فعلا الاطراف المتقاتلة تتحدث دائما عن القتلى والآليات والمعدات المدمرة في الطرف الآخر. وأول ما يشعر به القارئ أو المستمع لهم نبرة الفخر والاعتزاز التي تطغى على لغتهم. وكأنهم لا يعلمون أن من يفخرون  بقتلهم أو إصابتهم من "العدو" سودانيون مثلهم، وكذلك الخسائر المادية هي أيضا من ممتلكات الشعب السوداني وكلفه إنجازها الكثير.

ولا يكتفي أي من طرفي الصراع في اعلامه ببيان الضرر الذي تم الحاقه بالخصم ولا بهزيمته العسكرية ولا السياسية، بل يتعمد محاولة إهانته وإذلاله من خلال لغة عنيفة ونابية تبث مشاعر الحقد والكراهية والانتقام؛ خطاب قاس جدا وعدائي لأقصى الحدود. حيث قد لا تقتصر أهدافه على عدو الظرف الآني، بل يتعداه ليكون عبرة للغير: يرهب ويخيف الناس جميعا، أيا كانوا، مناصرين ل"لعدو" الراهن أم محايدين. طبعا لا يشذ كثيرا هذا النهج الخطابي العنيف عن المعهود: اللغة العدائية حاضرة بقوة في الحروب. لكن، لا ينبغي أن تنسينا أن الأزمات والصراعات المسلحة مؤقتة، وقلما لا تكون الأطراف فيها خاسرة كلها، بشكل أو بآخر.   

ففي مذكراته حول دوره في الحرب العالمية الثانية، كان الجنرال الفرنسي ديغول يعبر عن أسفه الشديد على الأضرار البشرية والمادية التي لحقت بخصومه الفرنسيين. لكونهم من مواطنيه ومن ممتلكات شعبه. وكرر نفس مشاعر الأسف والحزن بعد ذلك على أثر ما جرى لأعدائه الفرنسيين في الجزائر بين الحكومة ومستوطنين استعماريين حاربوا الدولة الفرنسية وقاموا بحملات اغتيالات وحرق ضدها وضد الجزائريين، تحت راية منظمة الجيش السري(OAS[i])، رفضا منهم لاستقلال الجزائر حينما تبينوا أن بلادهم على وشك أن ترضخ لضغط جيش التحرير الشعبي ولإرادة الشعب الجزائري وتعلقه بحريقه واستقبال بلاده .

متى وكيف نأسف حقا، في عالمنا العربي، على اقتتالنا فيما بيننا؟  ليس فقط في السودان، بل في اقطار كثيرة أخرى: الصومال، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن... واللائحة قد تطول مع الأسف.

وقى الله وحفظ موريتانيا.

ولنتذكر جميعا أن أمنها واستقرارها بيدنا، نحن الأطر-فاعلين سياسيين وناشري وقادة رأي. وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا لتعزيزه خاصة في المواسم الانتخابية التي بدأنا خوض أحدها قد يشكل منعطفا جيدا في تعاطينا فيما بيننا مع الخصم السياسي إن نحن أحسنا استغلال الفرصة. وحينها لن نكون بحاجة للتأسف. هذا ما أرجوه عند الله وليس عليه بعسير.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

[i] Organisation de l’armée secrète.

تصنيف: 

دخول المستخدم