مأمورية ثالثة لجميل منصور : الجدل يتحول إلى الطرف الآخر

لا يرغب المنتدى  الوطني من اجل الديمقراطية والوحدة في أن يختفي من الساحة موضوع تغيير الدستور الذي أثير منذ بعض الوقت بشأن الغاء أو تعديل المواد التي تحد من مأموريات رئيس الجمهورية. لأن المنتدى قد يجد فيها ضالته التي تمكنه من تغذية اسلحته وخطاباته التي تفتقد إلى ذخيرة سياسية حية باستطاعتها الحاق الهزيمة بالخصم أو اضعافه على الأقل.

ومع ذلك، فإن الموضوع لم يعد الناس يولونه اهتماما بالغا كما كان الحال منذ أسابيع. فالنقاش بشأنه، بين أطراف الأغلبية من جهة والمعارضة بشكل عام من جهة أخرى، يتلاشى بوتيرة متسارعة،لأن الجدل  تتقلص مرتكزاته وتذوب كلما برزت  علامات أو مؤشرات تكذب الشائعات  أو التصريحات التي قام عليها أصلا . وهذه المؤشرات تتوالى يوما بعد يوم دون أن تجد عرقلة على طريقها مما يطرح السؤال : أ لا تعني  سهولة تراجعها أن مسألة إثارة تغيير الدستور مشكلة زائفة في الأصل؟

وفي نفس الوقت الذي تتقلص فيه بقوة أهمية النقاش حول تلك  الشائعات المتعلقة بتعديلات دستورية مزعومة.. وتفقد كل محفز.. وتنهار بشدة، فإن جدلا آخر جاء من حيث لا نحتسب : أحد أحزاب المعارضة المتشددة المكونة للمتندى هو مصدره وساحته ومأواه في أن واحد.

وقد انفجر بعنف هذا الجدل وبصورة فجائية كقنبلة موقوتة في صفوف تواصل الذي يشكل الفرع الموريتاني من حركة الإخوان المسلمين. وقع الأمر يوم السبت الماضي إبان مهرجان أقيم في بتلميت، لما تقدم احد منتخبي الحزب السيد محمد ولد عبد الجليل  ـ عمدة بلدية آجوير ـ بطلب دعا فيه إلى  تغيير النصوص الحزبية بغية تمكين جميل منصور من الترشح لرئاسة الحزب في مأمورية ثالثة. وفورا جاءت ردود الفعل ؛ وكانت متباينة : قوية ورافضة كليا لدى البعض.. وأقل  جذرية لدى آخرين. 

 على سبيل المثال : لم يظهر جميل منصور اندهاشا كبيرا بسبب اقتراح ولد عبد الجليل.  بل اكتفى بمحاولة تهدئة الاوضاع معلقا على تصريحات العمدة بالقول إنها "مزحة" يريد من خلالها "جس نبض أفراد الحزب حول موقفهم من تعديل الدستور". وقد رد عليه نائبه محمد غلام ولد الحاج الشيخ بلهجة ملفتة حقا للنظر، حيث تكلم بنبرة حادة، قائلا :  إذا كانت مزحة فهي ثقيلة وفي غير محلها وعليه أن يسحبها ويعتذر للحزب ومناضليه". وهذا الأسلوب القاطع والحاد لا ينافي ما عرف عن محمد غلام من جرأة كلامية .. كما أنه أيضا قد تكون له ـ حسب العارفين به ـ علاقة بطموحات الرجل  بخصوص تقلد أعلى منصب حزبي. ورغم ذلك فإن عمدة بلدية آجوير لم يرضخ لطلبات نائب رئيس الحزب : فلا هو سحب اقتراحه ولا هو اعتذر.

وينبغي لنا أن نعترف أن تواصل يكاد يكون الحزب الوحيد في موريتانيا الذي رسخ قانونيا مبدأ التناوب على السلطة بداخله عندما حدد  نظامه الداخلي عدد مأموريات رئيس الحزب في اثنتين تبلغ مدة كل واحدة منهما خمس سنوات. لكن البعض قد يتساءل: هل الحزب سيُبقِي على هذه النصوص ؟ وهل سيحترمها.؟ أما نحن فإننا لا نرى أمامه خيارا آخر. وإثارة احتمالات اخرى مثل التي وردت على لسان عمدة آجوير إنما تنذر فقط بانطلاقة  فعلية وغير معلنة للصراعات الداخلية في الحزب حول خلافة جمال منصور التي تنتهي مأموريته في ظرف أشهر معدودات. ويتبين من قراءة هذه الإنذرات الأولية أن الصراعات ستكون ساخنة.. وربما شرسة ولا ترحم..

من جهة أخرى يجب التنبيه إلى أن الحزب الحاكم ـ الإتحاد من اجل الجمهورية ـ هو وحده الذي أجرى فعليا لحد الآن تناوبا على السلطة. حيث قام منذ نشأته بتبديل قيادته ثلاث مرات حسب المعلومات التي لدينا.

وفي هذا السياق قد يكون من المفيد أن  نذكر بما كتبته موريتانيا المعلومة سابقا في نسختها الفرنسية بشأن هذا الموضوع، وحول الاحزاب بشكل عام، حيث بينت أن هذه الأخيرة في بلادنا إنما هي عبارة عن عناوين سياسية لأفراد يتبع كل حزب لأحد منهم. و من هذا المنظور يصبح الحزب في نظر قادته ومناضليه وفي نظر المواطنين الموريتانيين بمثابة ملكية فردية للشخص الذي ينضوي أو يتحرك تحت أسمه. في هذه الحالة الكلام عن التناوب على السلطة داخل الأحزاب الموريتانية هل له حقيقة من دلالة ؟

البخاري محمد مؤمل  

تصنيف: 

دخول المستخدم