جل الناس في بلادنا يفرقون بين اللغة العربية والحسانية. وكذلك باحثون دوليون كثيرون ومثقفون عظام. الكاتب والمدون الموريتاني محمد اسحاق الكنتي لا يشاطرهم الرأي إطلاقا؛ الأمر الذي لا يمنعه من المحافظة على الخصوصية الموريتانية بشأن "لغة الضاد".. بل سهره عليها يستدعي منه تثمين الحسانية كلون وطني للغة العربية.. كما لها ألوانها الوطنية في البلدان العربية الأخرى.
وخلافا لعادته، لم يتطرق للموضوع هذه المرة من زاوية أكاديمية ولا نظرية، بل على العكس : كان خطابه تطبيقيا بكل ما في الكلمة من معنى.
وطبعا، فكما منَّ الله عليه، كانت قوة البيان في موعد مع سطوع البرهان ..
وهذا كله يتبين من خلال تدوينته التالية التي تتزامن مع اليوم العالمي للغة العربية :
"تكلم الحسانية او ارحل...
زرت داكار عام 1985 لبعض شأني. كنت أبحث عن عنوان في المدينة. سألت أحد المارة بلغتي الفرنسية الرفيعة.. نظر إلي بازدراء ثم قال، بفرنسية لا تقل أناقة:"أنت في داكار.. تكلم الولفية، أو ارحل!!!" ومضى في سبيله. أعجبني تصرفه، فقد كان شابا وطنيا يريد أن يحترم الأجانب لغة أهل البلاد؛ أغلبهم. من منا اليوم يستطيع أن يقول في وجه الصيني، والفرنسي، والسنغالي، والمغربي، والمالي... وكل الأجانب.."أنت في موريتانيا تكلم الحسانية أو ارحل!"
من المخجل أن ترى الناطقين بالحسانية يتبادلون الأحاديث الاجتماعية بالفرنسية، ولا يستطيعون إكمال جملة من الحسانية دون كلمات من الفرنسية تحشر فيها، حتى أصبحت لغتنا شبيهة بالكريول! صاحب الدكان الأمي يعد بالفرنسية، مواقيت الصلاة تترجم في بعض المساجد إلى الفرنسية، لا أحد يعد بالحسانية: خمسمائة، ألف،... كم منا يستخدم اللغة العربية في هاتفه النقال؟ من منا يعبئ الصك بالعربية حين يريد سحب ماله؟ من منا يوقع بالحروف العربية؟ من منا يقول لسائق التاكسي: انعطف على اليمين، من منا يقول: إشارة المرور، السوق، السيارة، الدكان... الفرنسية على ألسنتنا جميعا، أكثرنا تعلقا بها أقلنا إتقانا لها...
مئات الأطر من ذوي الثقافة العربية في مختلف مرافقنا العمومية، كم منهم يحرر مراسلاته باللغة العربية؟ كم منهم يهمش على بريده باللغة العربية؟ كم منهم يرد على الهاتف، أو يفتتحه بالسلام عليكم بدل اللفظة الانجليزية؟
كل الأمم تعتز بلهجاتها إلا نحن؛ البرامج الاجتماعية الموجهة إلى جمهور عريض باللغة العربية الفصحى، يتقعر أصحابها فلا يهمهم من الكلمة إلا آخرها، ولا يهمهم من آخرها إلا حركته. وعقدتنا مع إخوتنا الأفارقة هي أننا نفترض أنهم يعرفون الفرنسية جميعا فنبادرهم بالحديث بها وكأننا نقول.."لسنا أقل منكم، نحن أيضا نعرف الفرنسية!!!" أغلبهم يعرف الحسانية، ولا يجد غضاضة في الحديث بها، لكنه لا يجد فرصة لذلك.
هذا مما عمت به البلوى بين كل فئات المجتمع. ينقصنا الاعتزاز بهويتنا وثقافتنا الحسانية. لماذا لا نتكلم لهجتنا ونفرض على من يقيم على أرضنا أن يحترمنا فيخاطبنا بها كما يفعل مع كل شعوب الأرض!!! كان أحدهم يشتري من دكان صيني في نواكشوط سأل عن الثمن بالحسانية، فرد عليه الصيني بالفرنسية. فقال الموريتاني: تكلم بالحسانية! تدخلت سيدة مدافعة عن الصيني:(هو ما يعرف الحسانية). قال صاحبنا: الجهد الذي أنفقه في تعلم الفرنسية ينبغي أن ينفق بعضه لتعلم الحسانية، أو ليبحث عن رزقه في مكان آخر...
في إطلاقه للحملة الزراعية في لكوارب، كُلف أحد مهندسي وزارة الزراعة بتقديم شروح لفخامة الرئيس على لوحة كتب عليها بالعربية والفرنسية، فانبرى صاحبهم يرطن. أسكته الرئيس: "تكلم الحسانية!" وأراد مترجم أن ينقل للرئيس من الانجليزية إلى الفرنسية فنهره: "ترجم إلى العربية!" أما خطابات فخامة رئيس الجمهورية في المحافل الدولية فهي بلسان عربي مبين، ويحاول حمل متفرنجتنا على الكلام بالحسانية... الثقة في النفس والاعتزاز بالهوية مطلب وطني...محمد اسحاق الكنتي (فيسبوك).
تصنيف: