كيف لا أغيب عن مدحي؟

كنت أقرأ في تدوينة لست معنيا بها حقيقة، حيث جاء فيها :  "عند وفاة اي مثقف بهذه الربوع نسجل الكثير من بكائيات العوام ومبالغاتهم.."[i]. ثم خلص المدون إلى القول: "الحقيقة الصلعاء: ان هذه المراثي في جلها تكفير عن موبقة الحسد. وإلا فكيف نفسر الصدود تجاه الحي والغرام بالميت...؟"[ii]

 ومقارنة بالواقع المعاش يوميا في بلادي، تبَيَّن لي أن صفة "الغرام بالميت" الواردة في هذا السؤال الاستنكاري، لا تقتصر على المثقف "المحسود" ولا تخص نوعا من الناس ولا فئة بعينها، بل تشمل جميع من فقدهم المجتمع في موريتانيا أيا كانوا. بعبارة أخرى: الموت وحدها هي التي توفر فرصة المساواة بين أفراد مجتمعنا. أو على الأصح: فرصة مساواتهم أمام ظاهرة "شكر الميت".

ولا أظنني سأشذ عن القاعدة بعد موتي. لكنني أتوق إلى جواب دقيق: ماذا سيقول الناس بالضبط حينها عني؟

اعتقدُ أنهم لن يقولوا طبعا إلا خيرا، كما اسلفتٌ، لاسيما خلال مراسيم التعزية والتأبين. بل أتوقع بحرا من المديح لستُ جديرا به.

يا ليتني كنت حاضرا لاستمتع بسماع ما اعجبني ولأرد على الآخرين!

توهمت طريقين لتحقيق الرجاء:

  1. دعوة من سيحضرون بعدي إلى القيام بتسجيلٍ صوتيٍ أو تسجيل فيديو لما سيقال بعد وفاتي وإيداعه في مكان آمن حتي يوم القيامة. وادعو الله أن يمكنني من سماعه آنذاك وأنا في الجنة. وليس ذلك علي ربي بعسير : "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ"، صدق الله العظيم.
  2. القيام بعملية محاكاة لموتي خلال ثلاثة أيام استمع وأغربل طيلتها ما سيصدر عن المعزين وغيرهم بشأني.

تحدثتُ مع افراد من أسرتي وأصدقائي حول الخيارين. سخروا من الأول، بينما كان ردهم مقنعا وقاطعا حول الثاني: لا!.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

[ii]  المرجع السابق.

تصنيف: 

دخول المستخدم