كورونا: تضارب المواقف الراديكالية .. ومعنى التعايش مع الوباء عند الرئيس غزواني...

يتفق الخبراء على أن الأدوات المتوفرة لحد الآن لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد تقتصر على الإجراءات الاحترازية القائمة على الحجر وعلى الإجراءات المانعة.. ويدعون إلى تطبيقها بفعالية، بل يحث جزء كبير منهم على تشديدها إلى اقصى الحدود والالتزام التام بها مهما كلف الثمن. ومن الناحية الصحية البحتة، تشفع لهؤلاء الإحصائيات الدورية.. لأن حجم الخسائر البشرية الناجمة عن الوباء يتناسب عكسيا مع درجة تطبيق الإجراءات الاحترازية. لكن، في المقابل، تؤكد جميع المعطيات على أن منحنيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تسير في اتجاه عكسي.

وقد  تولَّد عن هذه المفارقة موقفان متضاربان حول التعامل مع الجائحة؛ ويحاول احيانا بعض الداعمين لأحد الطرفين بث اللبس والغموض من خلال تأويلاتهم السيئة لبعض الدلالات التي تضمنها الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة عيد الفطر*. 

  لا لبث الرعب... !  

يضم الصنف الأول مَن تقتصر رؤيتهم على تهويل العواقب الوخيمة لانتشار الوباء، إذ يرون كارثة مأساوية كلما بدا مظهر لتطوراته.. ويشككون في السياسات والاستراتيجيات المتبعة للتصدي للجائحة، حيث يعتبرونها دائما دون المستوى المطلوب بكثير، وفاشلة. فهؤلاء يبثون فعلا الرعب والخوف بين الناس. ولا يجدي خطابهم نفعا!

وقد شاهدنا في بلادنا بوادر تطور لهذا السلوك التشاؤمي الوخيم في الأيام الأخيرة، على إثر الانتشار المفاجئ للجائحة في الوطن. وتنمو دعاية أصحابه تبعا للتطور السلبي لمنحنيات انتشار الوباء التي تصدر يوميا عن وزارة الصحة. فكلما زاد عدد الإصابات، شددوا من قرع طبول التخويف والتشكيك. ويصمتون في حالة تراجع في عدد الإصابات إن لم  يشككوا في المعلومة وينفوا أي جانب إيجابي لها.

 ... لا للعمى وغض الطرف عن الخطر... !  

في الصف الآخر، يوجد المشككون في خطورة الوباء وانتشاره.. وهم يناوئون بشدة الحجر والإجراءات الاحترازية. ويرون فيها كوارث اقتصادية واجتماعية أخطر بكثير من كوفيد 19؛ وكثيرا ما يبثون اخبارا كاذبة (fake news) تخدم رأيهم.

ومن ابرز دعاة هذا التيار على الساحة الدولية الرئيس الأمريكي دونالد ترومب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو. وينشط كثيرا أنصارهما من أقصى اليمين في كلا البلدين للدفاع عن هذا الموقف الذي ينكر خطورة كوفيد 19 ويعارض اصحابه بشدة محاربة الجائحة، تحت ذريعة  "التصدي لدكتاتورية كوفيد 19" على حد وصفهم الساخر من الإجراءت الوقائية ضد الوباء.

ولا تخلو موريتانيا من دعاة هذا التيار.. وإن كانت المواقف هنا تتخذ صيغا وأشكالا مغايرة لما نشاهده في القارة الأمريكية. ففي بلادنا ظهر جانب من هذا الموقف مبكرا لما عارض بعض الناس تعليق صلاة الجمعة في المساجد.. من بينهم فقهاء وشخصيات دينية وازنة مثل الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ولو أنه لم يطنب في رأيه ولا في التمسك به.  

فرغم معارضته في بداية الأمر لتعليق صلاة الجمعة في المساجد، وبعد نشر تسجيل على الواتساب منسوب له يتنبؤ فيه بنهاية المرض خلال العشر الأواخر من رمضان، فقد أصدر الشيخ الددو نصائح عبر تسجيل صوتي جديد يتم تداوله على نطاق واسع منذ يومين. وهذه النصائح تخالف ما عرف عنه سابقا حول التعامل مع الجائحة. إذ يركز الشيخ في التسجيل الجديد على خطورة الوباء ويدعو الناس إلى التقيد التام بالإجراءات الاحترازية كما وردت من السلطات المعنية والمختصة وخاصة التباعد الاجتماعي، بما في ذلك ما يتعلق بصلاة الجمعة وصلاة العيد.. ويدعو الجميع إلى التعاون مع السلطات والتطوع في مكافحة الجائحة، كل أحد حسب اختصاصه وطاقته، وإلى دعم الدولة ماديا وماليا، مذكرا بحملة التبرع لصالح صندوق التضامن ومحاربة جائحة كورونا الذي أنشاته الدولة وداعيا إلى المساهمة فيه. وعلى ضوء كلامه، فإننا نعتقد أنه  تبرع أو سيتبرع بمبالغ مالية معتبرة للصندوق المذكور.

كما ظهرت على صعيد آخر أصوات عديدة تطالب بفتح الأسواق ورفع القيود عن الحركة وبحرية التنقل داخل البلاد.. هذا فضلا عن الأصوات الغاضبة من منع الموريتانيين الموجودين في الخارج من دخول البلاد رغم أن كثيرا من هذه الفئة الأخيرة تنظر إلى الأمر من زاوية أخرى: لا ينكرون خطورة الوباء ولا ضرورة مكافحة انتشاره.. ويتقيدون بالحجر الصحي  للقادمين الجدد إلى البلاد، طيلة المدة المطلوبة.

لا للتأويلات السيئة لمفهوم "التعايش مع الوباء"...!

بعد خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الأخير حول الجائحة، ظهرت أصوات تخفف من أهمية الوقاية، وتدعو إلى العدول عن الإجراءات الاحترازية بحجة أن انتشار الوباء أصبح مجتمعيا، مستدلين ببيانات وزارة الصحة وبكلام رئيس الجمهورية، لما قال بأننا سنضطر للتعايش مع الجائحة لفترة من الزمن. وما ينبغي فهمه هنا في خطاب الرئيس، أن "التعايش" عنده لا يعني  الإستسلام، بل على العكس: يعني أولا وقبل كل شيء التأقلم مع الإجراءات الاحترازية والوقائية وتعزيزها. وفي نفس المضمار يجب أيضا تأويل كلمة "فترة" ضمن الإطار العام للرسالة التي أراد إيصالها إلى المواطنين. وحينها، سوف ندرك أن كلامه يشكل نداء من اجل اختزال الفترة المعنية في أقل حيز زمني ممكن. ولن يتأتى لنا ذلك، حسب توجيهات الرئيس، إلا بإتباع واحترام الإجراءات الوقائية التي تصدر عن الجهات المختصة، كما أسلفنا.

وختاما للحديث حول هذه المسالة، وحول الجوانب الاخرى التي سبق التطرق لها، فإننا نرى أنه لا ينبغي الاستسلام للخوف والهلع.. ولا للتعامي عن الخطر وغض الطرف عنه. بل يجب التصرف بمسؤولية. فلا يجوز أن نُطمْئن الناس كذبا بتغاضينا عن خطر قائم.. ولا أن نبث فيهم والذعر بتهويل الفاجعة والمبالغة فيها. بل يجب أن ننشر المعلومة كما هي، بصدق وموضوعية، وبصورة تفي بحاجتين: من جهة، تتفادى بث الرعب والخوف بين الشعب؛ ومن جهة أخرى، تثقف المواطنين وتساهم بفعالية في التحسيس والتحذير من انتشار الوباء.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي) 

----------------------------------------------------------------

انظر: الرئيس غزواني يطلق صفارات إنذار غير مسبوقة.. ويشحذ الهمم...!".

تصنيف: 

دخول المستخدم