كتابُ الحياة يصعب اختزاله في كلمات...

في الكتاب (أعلاه)[i]، رَفَعَ د. حمَّ الغطاء عن نفسه، فتركَ لنا حُريَّة أنْ نَتصفَّحه و"نفْحَصه"، وأن نتشارك وإيَّاه طريقته الخاصة في النجاح.

عرفتُ عدة "حَمَّات"، عرفتُ حمَّ حين كان وزوجه المصون يقيمان في حيِّنا قبل أنْ يتركاه، وكانَا من فئة « نِعْمَ الجارْ ».. وعرفته طبيبًا مِهنيًّا في برنامج الصحة الإنجابية، وعرفته في أدغال "طبْ سينكييم" وكانَ ذائبًا بتَؤُدَة في ذلك العالم غير المُبهر من البؤس والفقر وضعف الوسائل،.. عرفته في السفر بشوشًا، بارع الدّعابة، لبق اللسان، فهو من النَّوع الذي تُخاطبه بلا حذر.

دلفتُ إلى مكتبه منذ أشهر في مُعاينة، حدَّثني وقتها عن مشروع الكتاب، وأنه قيد التنقيح الأخير في جوف جهاز على يساره، كانت شاشته في حوزة بصره،.. هنأته قائلة: «قزَّيت، مُهم أنْ نَترك أثرًا قبل أنْ تنفضَّ الأيام من حولنا إلى غير رجعة».. فبعد رحلة خاليَّة من الرّتابة، بدَا أنَّ الرجل يُرتِّب تقاعده بشكل مُختلف، في صورة عمل أهداه سلفا لروح مهنته.

كنتُ مُتعجِّلة مَخافة التَّجاوز على وقتِ المُراجعين،.. ثم تابعتُ على صفحته شذراتٍ من طلائع بوحه عن كتابه قبل صدوره.. واتصل بي بغية إهدائي نسخة منه بعد صلاة المغرب من يوم كذا، ولم يحضر!،..« وگتلو عنِّي بِتْ آنَ وبُو الدَّار متگابلين انحانوه»، وبدل الاعتذار، گالي: «هذي البَيْته متگابْلَه مع افلان اعطيني ثمنها، لأنِّي كنتُ السبب».. وهو لا يُدرك أنَّ "افلان" عينه، خلال السِّجن الجماعي أيَّام كورونا، "كانْ يِطْلِبْ مُولانَ يَعطيهْ خَرْقْ عادَه إعَدلْ منّو طبيبْ وللَّ صندري، أيَّاكْ ما ينحبس امْعانا.. قَصدي امْعايه".. فسجن الرِّجال مع زوجاتهم كربٌ من صنف مقتل الحُسين في كربلاء.

الأطبّاء عمومًا صُنَّاع رحمة وراحة، وأطبّاء النساء خُصوصا صُنَّاع أملٍ وحياة وفرحة.. غير أنَّ أغلب الأطباء وحيد الوجهة، محكوم بمشيئة التَّخصص العلمي والانشغال المهني، ومنهم استثناءات تجاسرت فنَاوبت القلم والمشرط، فكتبت أدبا وسيِّرًا وأجادت..

كتاب "محطات رحلتي إلى الطب"، تَتبُّعٌ حميميٌّ من الدكتور لرحلته، في سيَّاقٍ تصاعدي منذُ العتبة الأولى للسُّلَّم الطِّبي،.. تَوغَّلَ في أعماق ماضيه، فكانَ الحامل الأبرز لنتاج كتابه، وكان الكِتابُ الاسمَ الآخرَ لحياته،.. فهو الرَّاوي وهو البطل، وقد لاحَقَ بالحروف والوثائق فَواصِلَ من عُمره غَبَرت، نبش في ذاكرة مسيرة غنية بخط مستقيم.

السيرة الذاتية تُتيح جَمع شتاتِ الذَّاتِ في شكل حرف، وهيَ عون لصاحبها أنْ يَقف على عتبة التَّجربة القُصوى برسم القِطاف، أن يُوقِفَ لبُرهة عدَّادَ رحلة العُمر، فيُراجع مداخيل الرِّحلة: النَّجاحات، الإخفاقات، خيْبات الترتيبات، الانكسارات، الإنجازات ثم يُقيِّم! ..

غاصَ د.حمَّ في الهمِّ الطبِّي حتى شابَ منه الرأس وتَضامَنت معه اللحية،.. تعقَّبتُ في كتابه خطواته نحو الأمل، خطوات مرقومة بجهد ذاتي واجتهاد تحصيلي يُعيد للكدِّ نقاءه الأول،.. والمُحصِّلة أنْ جَعلَ من نفسه الشخص الذًّي سَعَى وحَلَم أنْ يَكونَهُ،.. وما منْ حُلم يتحلَّى بالرَّاحة كَيْ يتحقَّق.

ريع هذا الكتاب سيذهب لعمل انساني نبيل، ولذا ابتعتُ منه نسخة غير تلك التي أهداني إيَّاها المؤلف، " انْدخل بيها گرن في الوقف الطبي.. وللَّ انعدل منها احشيشتْ صاحبْ واد الناگه"

تحياتي.

الدهماء ريم

 

[i]  في النص الأصلي كتبت المؤلفة "في الكتاب ادناه" على صفحتها على الفيسبوك، لأن صورة الكتاب جاءت بعد النص في تدوينتها.

تصنيف: 

دخول المستخدم