قالوا : لماذا لا تمدح الجيش ؟!... / عقيد (متقاعد) البخاري محمد مؤمل

تقدم إلي عدة أشخاص سائلين أو متسائلين وعبر طرق وأساليب متعددة: بعد العرض مباشرة في قاعة الفندق، بعد ذلك في البيت وفي الشارع، عبر شبكات التواصل الاجتماعي...

كلهم يقولون تقريبا.. و بنبرة لا تخلو من تعجب الله وحده يعلم ما هو دافعه:

"لماذا لم تمدح الجيش؟!..."

المناسبة كانت ندوة منظمة من طرف مركز الأرقم للإعلام والدراسات الإستراتيجية جرت مساء الخميس الماضي تحت عنوان:

" الجيش الوطني: حصيلة عقد من التألق والعطاء"

 وحضرها جمهور متميز : دبلوماسيون وملحقون عسكريون معتمدون في نواكشوط، اعضاء -سابقون وحاليون- من القوات المسلحة وقوات الأمن، جامعيون، باحثون، صحافيون، موظفون سامون، سياسيون...

وقد تبين لي أن "المتعجبين" عموما مدنيون، بينما لاحظت أن المنتمين- الحاليين أو القدامى- للقوات العسكرية وقوات الأمن الذين تابعوا العرض.. سواء إثناء تقديمه أو عبر الشاشة..  لم يطرحوا هذا السؤال، بل إن جل الذين تحدثوا إلي منهم كانوا يتعاطون مع الحدث بأسلوب يختلف.. قوامه تقدير واحترام الطريقة العامة  التي تم اتباعها  في علاج الموضوع والتفكير والتعامل معها بمهنية .. الأمر الذي لم يمنع بعضهم -بل على العكس- ساعدهم فى التعبير عن  تحفظاتهم حول بعض الأفكار أو المعطيات التي أفصحت عنها.. وكانوا صائبين في كثير مما قالوا.

وكذلك لقد كان الفريق الأول محقا هو الآخر في ملاحظته المغايرة تماما:  صدقوا أن المدح لم يشغل بالي على الإطلاق في تلك المناسبة.. لا خلال العرض ولا إثناء تحضيره ولا بعد إلقائه .. ولا الذم أيضا.

وقد نبهت إلى ذلك مبكرا بواسطة "اسلايد" التالي  الذي أعددته خصيصا لهذا الغرض وعرضته على الشاشة مضيفا بعض الشروح له كمقدمة لكلامي:

غير أن تلك الخطوة التمهيدية لم تحل دون خيبة آمال البعض. لقد نسيت فعلا أن المدح والذم يشكلان أغراضا رئيسية في آدابنا.. وأنهما يكونان قيما متجذرة في  سلوكنا وفي تراثنا الثقافي العربي والإفريقي لدرجة تجعلهما يتصدران أقوالنا وتصرفاتنا دائما.

لكنني لا اندم كثيرا على النسيان. لأن قناعتي ورجائي هما أن نقول الأشياء كما نشعر بها.. لا كما نعتقد أنه يحلو للمستمع أن يتلقاها منا.

وشعوري شخصيا تجاه الجيش ومنظومتنا الوطنية للدفاع والأمن يتجلى من خلال ما حاولت بيانه. ومن أهم ما قلته في هذا الصدد ما جاء في "اسلايد" التالي الذي حصرت فيه بعض المبادئ المؤسِّسة منذ العشرية الأخيرة لعمل القوات المسلحة وقوات الأمن  في مجال محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود :

 ثم خلصت في نهاية العرض إلى التحذير من الاغترار بالنفس، داعيا إلى يقظة تامة لا تفتر أبدا، قائلا :

"  تعد موريتانيا اليوم من طرف كثيرين نموذجا في محاربة الإرهاب.. لكنها لم تتغلب نهائيا على هذه الظاهرة الفتاكة  التي تنتشر قواها بشكل خطير قرب حدودنا.. كما أن البلد ليس في مأمن من الإرهاب الداخلي الذي كان وما زال يعرف تحت تسميات مختلفة مثل "الذئاب المنفردة" و"الخلايا النائمة" ... غير أنه تبين أنه لا يوجد إرهابي إلا وله علاقة مع مجرم أو مجرمين آخرين؛ كما أنه لا توجد "خلايا نائمة" وإنما تنظيمات سرية تعمل بنشاط في الخفاء.

لذلك ينبغي أن يظل شعارنا هو : اليقظة، اليقظة، اليقظة.

يقظة دائمة ومتعددة الأوجه..  تأخذ في الحسبان السياسة الوقائية التي حقق فيها البلد مكاسب غالية ينبغي تعزيزها باستمرار..  و كذلك تحسين وسائل ردة الفعل والتدخل السريع التي نحن بحاجة إلى تطويرها..  كما ينبغي العمل على تحسين الوسائل الكفيلة بإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي  (résilience) بعد نهاية العمليات."  

ويجوز لكل واحد منا أن يقرأ هذه الخلاصة و البادئ السابقة والطرح العام المنبثقة عنه كما تَبيَّن له حسب الزاوية التي يرى منها الأمور. فالتواقون إلى المدح قد يجدون فيها ضالتهم.. كما يمكن لغيرهم من امثالي أن يعتبروها مجرد انطباعلت شخصية وذاتية تعبر عن مشاعر مؤلفها ومشاغله كباحث شغوف يهتم بالتحديات الإستراتيجية التي يراهن بلده على رفعها.

عقيد ركن متقاعد البخاري محمد مؤمل

رئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية

elboukharymouemel@yahoo.com

تصنيف: 

دخول المستخدم