على هامش ورشة حزبية: سياسيٌ مفعولٌ به، وسياسيٌ مفعولٌ لأجله، وآخرون لا محل لهم من الإعراب.

ملاحظاتٌ ومشاعر متلاحقة ما زالت تتوارد على ذهني منذ مشاركتي منذ يومين في ورشة نظمها حزب الاتحاد من اجل الجمهورية حول "الاتصال والإعلام بالحزب"؛ وهي تتعلق أساسا بتنظيم العمل وسيره: افتتاح الورشة، توزيع المشاركين على ورشات متخصصة، الموضوع المطروح على كل ورشة، سير النقاشات، عرض نتائجها، تفاعل المشاركين وأدائهم ...

ارتياح كبير وتساؤلات عابرة

حول النقطة الأخيرة شعرتُ بارتياح كبير وأنا داخل المجموعة الرابعة التي تعمل على تصور "عناصر استراتيجية إعلامية" للحزب على ضوء تطورات الخطاب السياسي الوطني ومواءمته للتغيرات الظرفية الوطنية والجيوسيساية الدولية، وما تستدعيه من إصلاحات بنيوية عملا بتوجيهات رئيس الجمهورية؛ توجيهات ذكَّر بها رئيس الحزب، السيد سيدي محمد ولد الطالب اعمر، في كلمته التي افتتح بها الورشة، قائلا:

"إنكم مدعوون (...) إلى تشخيص الوضعية الإعلامية الراهنة والظروف المحيطة بعملنا الحزبي والسياسي المواكب لبرنامج "تعهداتي"، ولوضع مرتكزات رصينة تعزز وتطور هذه المواكبة وتحصن وتفعل التكامل بين الحزب ومختلف الفعاليات العمومية والبرلمانية، وكل الهيئات المؤازرة لآداءاتنا المختلفة، وفق ما يخدم التوجهات الوطنية الكبرى التي رسمتها قيادة البلد(...)." 

وفي اليوم الثاني، تكرر لدي وتعزز نفس الانطباع المريح الآنف الذكر، وأنا أتابع تقارير المجموعات ونقاشها في لقاء جماعي بين المشاركين جميعا.

ففضلا عن البعد الاستراتيجي المثمر والمتميز للتحاليل والتوصيات-ذات النفع العام-التي توصل لها الجميع، فقد تعلمتُ شخصيا الكثير والكثير،خاصة كلما انتبه إلى جسامة وصعوبة العمل السياسي، وكم هو يثقل كاهل ممتهنيه وهواته. وطرقت ببالي تساؤلات عديدة وأنا أغوص في الموضوع، وذهني شارد: إلى أي الفئتين أنتمي؟ كيف؟ وماذا...

إلا أنني لم أتوقف كثيرا عند الأسئلة. إذ لا اعتقد بوجود فئة ثالثة أو رابعة: كلنا سياسيون بشكل أو بآخر. ولا يهم إلى أي درجة ولا كيف ولا لماذا، علما أن ممارسة العمل السياسي، كمهنة أو كهواية، كثيرا ما يمزجه القائمون به مع حرف أو نشاطات أخرى، كما نقوم به كلنا يوميا دون ادراك ذلك.

... مأكولٌ ومذمومٌ.. وآخرون مفعولٌ لأجلهم...

على إثر سؤال صدر، على ما اعتقد، عن رئيسة المجلس الجهوي لمدينة نواكشوط، السيدة فاطمة بنت عبد المالك، تفاعلا منها مع ملاحظة تتعلق بمصداقية المنتخبين وما يعترض صورتهم من تشويه وتذبذب لدى المواطنين، شعرتُ بأن السياسي عموما تنطبق عليه المقولة الشهيرة " لحم الرقبة مأكول ومذموم".

ثم سرعان ما استدركت أن الأمر قد لا ينطبق على الجميع. فعلا يوجد فاعلون سياسيون يقومون بعملهم على أحسن وجه، ولا يلقون مقابل ذلك عرفانا يليق بما يبذلونه من جهد. بل في أحيان كثيرة يجني غيرهم ثمار ما زرعوه من خير. فيجوز وصفهم حسب لغة اهل النحو بكونهم فاعلين مفعولٌ بهم.

ويعود الأمر إلى حركة الرأي العام  وتموجاتها، وما لتلك الحركة من أثر على عدم استقرار ولاء الناخب وولاء "المعجبين" بصورة عامة تجاه "النجومية". وحدهم نجوم الفن ونجوم الرياضة لا يتضررون كثيرا من هذه الظاهرة طالما أنهم لم يمارسوا السياسة.

أما الزعامات الدينية، فإنها كثيرا ما تُوَفَّق في الجمع بين الأمرين: بين الروحاني والسياسي. فرجل الدين يخدمه اتباعه حيثما وكيفما حَلَّ. وكأنه في آن واحد فاعلٌ ومفعولٌ من أجله.

لا محل لهم من الإعراب

تبقى فئة أخرى تحسب نفسها في منأى عن السياسة وما يتعلق بها. وتشكل السواد الأعظم من الناس. وفعلا فعدم انتمائها لتوجه سياسي محدد يصعب من تصنيفها في قاموس النحاة السياسيين: لا محل لأصحابها من الإعراب. غير أن ذلك لا يقي المنتسبين لها من مناورات السياسيين. بل على العكس: الرهان دائما على هؤلاء "الحياديين" الذين لم يقرروا إلى أي وجهة يسيرون.

ودائما في إطار "السياسيين اللاسياسيين" (politiques apolitiques)، ساد بين المشاركين في ورشة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية رأي قائل بأن الإدارة العمومية والدولة ليستا هما الحزب، وإن كانت السياسة العامة للبلد تستلهم خطوطها العريضة من رؤيته. الشيء الذي لا يمنع الحزب من أن يوجه لهما الخطاب بوصفه قوة اقتراح، ومنصة تكوين سياسي وأداة إعلام تنير المواطنين. ووفقا لهذا الطرح، دعا بعض المشاركين إلى إعادة إنشاء حقيبة وزارية للاتصال مستقلة عن وزارة الثقافة وعن غيرها من القطاعات الوزارية الأخرى. وطبعا الوزارة المنشودة لا محل لها من الإعراب سياسيا. بمعنى أنها تدير وتخدم الساحة الإعلامية بجميع فاعليها وأطيافها بغض النظر عن توجهاتهم وخياراتهم السياسية.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

تصنيف: 

دخول المستخدم