قبل ما يزيد علي نصف قرن من الزمان. في ظل خيمة نصبت ذات يوم بين كثبان الرمال المتحركة تم إعلان الجمهورية الاسلامية المورتانية التي كانت حينها بالكاد تنفرد رسميا بوصف صار مثيرا للجدل في عالم اليوم . .. في تلك الايام لم يكن البوح السياسي بالهوية الوطنية الاسلامية ملفتا للانتباه .. و لم تكن دول العالم الاسلامي ..حديثة النشأة .بعد ليل الاستعمار الغربي الطويل ..محظوظة لتفكر في اختيار تسمية من هذا القبيل ..
وكان من حسن الحظ ان يكون الانتساب الي الاسلام في التسمية الرسمية لمورتانيا محل إجماع بين سادة القوم في اعقاب حوار تأسيسي للجمهورية. طغت عليه نبرة تنازع القوميات وقد اصطدمت حينها نزعة القومية العربية ..التي فجرت بوعودها الوحدوية مشاعر العرب من الخليج الي المحيط.. والتي كان يزهو لنسختها المحلية ان تضع طابع العروبة علي تسمية مورتانيا بتيار قومي أفريقي " زنجي " او علي الأصح بمجموعة " لكور" ..وفقا للمفهوم الاكثر اصالة و دقة و المعروف لدي مجتمع البيظان .. حيث ان هذه المجموعة اعتبرت صراحة أنها غير معنية بالنسبة الي العرب فكان الأسلام المخرج. و الفرج في التنازع. ب " يوم اسم " مورتانيا ...
وهكذا ظلت مورتانيا رغم ما تقتضيه الضرورة... و الضرورة تبيح الممحظورات .. من " علمانية " جهاز دولتها. اسلامية في تسميتها و نرجوا ان تظل كذلك الي يوم الدين ...
و لعل اخطر ما تواجهه اليوم هذه التسمية المتفق عليها يتجلي في الخلاف الحاد و في الاستقطاب المزمن الناتج عن التوظيف السياسي للدين عبر استغلاله لمصالح تيارات سياسية تتخذه كمطية لتحقيق أغراضها الخاصة .. لقد كشفت المراجعات التي قام بها مؤخرا اكبر تيار محسوب علي ما يعرف اصطلاحا ب"الإسلام السياسي" في خلافها الحاد مع "تيار ،غروزني" عن وجود أزمة سياسية خانقة بين اهل " السنة والجماعة " من شأنها ان تعيد المسلمين الي عهد التكفير العقائدي الذي تحدث عنه أبو حيان التوحيدي في مقابساته بقوله "إن أبا هشام يكفر والده الجبائي و العكس و لكن أخته تكفر كلاهما؛ أي: أباها و أخاها" ..
و لعل موطن الخطورة يتجلي بالنسبة لنا كمورتانيين .. و ذلك هو الأهم .. في احياء الصراع العقائدي بن الأشاعرة و الصوفية من جهة و تيار السلفيين الجدد من جهة أخري وغير ذلك من اختلاف التيارات الطائفية الساعية الى إعادة تأسيس مشروعية التمثيل السياسي في الحقل الديني بمجال الجمهورية ..
إن هذا الصراع الذي يتعذي من خلافات دولية وإقليمية معقدة علي خلفية سياسية واضحة المعالم لا يصب في المصالح الوطنية لمورتانيا . فمورتانيا التي أجمعت بتعدديتها .. قبل غيرها من دول العالم الاسلامي .. علي إعلان هويتها الاسلامية .. ينبغي ان تظل نموذجا لجمع شمل المسلمين الذين فرقتهم و" فرغتهم " الخلافات السياسية ...
عبد القادر ولد محمد
تصنيف: